صاحب اسم مستعار يصف دقائق ما يجري تحت عنوان «يوميات بغداد»
واشنطن: منير الماوري
تستعين وكالات الأنباء العالمية ومحطات التلفزة والصحف الكبرى بمراسلين محترفين لتغطية أخبار العراق ميدانيا، بينهم صحافيون أميركيون وأوروبيون، ويساعدهم عادة في عملهم صحافيون عراقيون عادة ما يواجهون المخاطر على خط النار، ومع ذلك فإن معرفة ما يجري في العراق تظل محدودة وبعيدة عن مقدرة الصحافة لتغطية كل الوقائع بالوسائل المعتادة. لذلك، فاجأت مجلة "ذا نيو ريبوبليك" (The New Republic) الأميركية قراءها خلال الاسابيع الأخيرة بالخروج عن المعتاد في الكتابة عن أحداث العراق، وذلك عن طريق الاستعانة بكاتب لا ينتمي للوسط الصحافي، ولا يكتب أخبارا نمطية، أو آراء ذاتية، ولا تحليلات سياسية، بل يصف ما يجري أمامه في الميدان في يوميات جذبت انتباه قطاع واسع من الأميركيين، وأدخلت الخوف في نفوس أقارب الجنود هناك.
الكاتب هو سكوت ثوماس، لكن هذا ليس اسمه الحقيقي، وإنما اسم مستعار اختارته له المجلة على ما يبدو للحفاظ على هويته، وحماية لوظيفته الأصلية، وهو الأمر الذي يؤكد أن الرجل هو ضابط في الجيش الأميركي ويستطيع الوصول إلى أماكن لا يمكن أن يصل إليها أي صحافي أو كاتب في ظل الإحتياطات الأمنية الجارية داخل المنطقة الخضراء وخارجها.
وفي مؤشر على فائدة ما يكتب صاحب الاسم المستعار تقول الممرضة الأميركية سالي غولدمان (24 عاما) التي يخدم زوجها حاليا مع الجيش الأميركي في العراق "من شدة شوقي لمعرفة أحواله (زوجها) هناك فإني أقرأ يوميات سكوت ثوماس، وقد وجدت أشياء مشابهة لما يرويه لي زوجي في رسائله الالكترونية من العراق، ولكن قصص صاحب الاسم المستعار تثير قلقي على زوجي بشكل أكبر".
ورغم أن بعض الصحف والمجلات الأميركية المنافسة لمجلة نيو ريبوبليك تثير الشكوك حول صاحب الاسم المستعار، حيث يرى بعض الكتاب أن لا وجود له وأنه مجرد اسم مفبرك جاءت به الصحيفة لنشر يوميات من تأليف أحد كتاب الصحيفة يكتبها في جو مكيف داخل مبنى الصحيفة أو في منزله داخل واشنطن، غير أن رئيس تحرير المجلة فرانكلين فور يؤكد أن نيو ريبوبليك لن تكشف عن اسم كاتب اليوميات لحمايته من عقاب رؤسائه في الجيش الأميركي لأن الجيش يمنع المنتسبين له من الكتابة بأسمائهم الصريحة.
ويقول رئيس تحرير المجلة "بما أن هناك من يشكك في هوية الكاتب فسوف نحقق في صحة وجوده ودقة اليوميات التي يكتبها لنا". يشار إلى أن المجلة نفسها فصلت أحد نواب رئيس التحرير في اوائل التسعينات وهو ستيفن غلاس بسبب موافقته على نشر قصص مفبركة لكتاب مجهولين. ويقول رئيس التحرير الذي لم يكن وقتها مسؤولا عن المجلة عند فصل الصحافي غلاس "سنضع كل إمكانات المجلة للتحقق في صحة ما كتب صاحب "يوميات بغداد"، لكن سوف نحتاج إلى وقت للتأكد من صحة كل معلومة، خصوصا أنه يصعب الحديث مع جنود أميركيين عبر الهاتف وهم يؤدون مهام متواصلة تستغرق منهم أحيانا 20 ساعة من الجهد المتواصل يوميا.
وتصف "يوميات بغداد" لكاتبها صاحب الاسم المستعار حياة الجنود الأميركيين في معسكراتهم بتفاصيل دقيقة، كما يتحدث فيها الكاتب عن وجود نساء داخل المعسكرات، ووقائع أخرى تبدو غريبة على بعض القراء، لكنها سردت بلغة سهلة وواضحة. ومن المستبعد أن يكون من أورد تلك التفاصيل قادرا على فبركتها، لأن أسلوب الرواية يبدو محكما، ولا ينم على أن الكاتب له علاقة بالصحافة أو السياسة لأنه يروي وقائع بلغة سهلة، لكن من المؤكد أن المجلة تدخلت في تحرير اللغة لاضفاء نوع من السلاسة عليها، حيث انه من المعروف أن الجنود الأميركيين لا يلتزمون عادة بقواعد اللغة، إن لم نقل أن غالبيتهم بعيدون كل البعد عن موهبة الكتابة.
وترى الإعلامية الأميركية المتقاعدة جاسيكا براون التي عملت مع الجيش الأميركي في قاعدة السيلية بقطر أثناء حرب تحرير العراق، إن كاتب اليوميات ليس جنديا عاديا، بل ضابط ذا رتبة متوسطة على الأقل إن لم يكن صاحب رتبة عالية. وتقول إن طريقة وصفه لما يجري داخل القاعدة العسكرية التي يعمل بها تدل على أنه يتلقى أوامر من ضباط أعلى منه رتبة، إلا أنه بكل تأكيد ليس إلا مجرد جندي صغير السن.
وترى براون أن كاتبا واحدا لليوميات، سواء كتب باسم مستعار أو باسمه الحقيقي لا يمكن أن يكشف عن كل ما يجري لأن القواعد والمعسكرات الأميركية كثيرة في العراق والوقائع التي تستحق التسجيل لا تعد ولا تحصى. واقترحت أن يغير الجيش الأميركي من سياساته ليسمح لجنوده وضباطه بالتعبير عن آرائهم كتابة من الميدان للصحف التي يختارونها وبأسمائهم الصحيحة لأنهم " أكثر وطنية" من أن يلحقوا الضرر ببلدهم، كما ان الفائدة من مثل هذه الكتابات لا تقدر بثمن للمحللين وللصحافيين المحترفين.