رؤية علمية في أثر مصادر المعلومات بتوجيه التغطيات الإعلامية
اخذ نظام الاتصالات الجماهيرية يصبح أكثر فاعلية بمرور الوقت لتحقيق إجماع الرأي في المجتمعات, وتنسيق الأنشطة الجماهيرية, وتعبئة جموع المتلقين في أوقات الخطر والأزمات التي تواجه يومياتهم, فضلا عن بقية الأهداف في المجالات الاجتماعية والإعلامية, وهو ما جعل لمصادر المعلومات في وسائل الاتصال الجماهيري شأنا مهما وذا قيمة متزايدة, توازي تزايد الاهتمام بنظام الاتصالات برمته.
ويكون للصحافي الناجح مجموعة من المصادر التي يتعامل مع معظمها بشكل دوري, يمكن تحديدها بـ:
1- أقسام العلاقات العامة: وهي من بين أهم مصادر الأخبار للصحفي, إذ يلجا هذا المصدر في ممارسه نشاطه الاتصالي من خلال المخبرين في الغالب, إلى إرسال المعلومات المتعلقة بتلك النشاطات لوسائل الاتصال الجماهيري... وتعمل شعبة الأخبار بقسم العلاقات العامة على توفير كمية من النصوص الكاملة للخطب التي تلقيها الشخصيات المهمة بالنسبة للمؤسسة, ومعلومات عن المؤتمرات والاجتماعات, والخطط المتعلقة بتغيير السياسات والعمليات, والتي قد لا يستطيع المخبرون الحصول عليها إلا من خلال تلك الأقسام.
وقد تعد أقسام العلاقات العامة النشرات الإخبارية التي تتضمن معلومات معينة عن قصص خبرية تهم جمهورا محددا أو جمهورا عاما, يتم تزويدها لمخبري وسائل الإعلام... وتزداد أهمية هذه الأقسام في الوزارات والمصالح الحكومية والمؤسسات العامة والخاصة, حيث تجتمع لدى هذه الأقسام الخيوط الأولى للأخبار المهمة التي تتصل بمصالح واهتمامات الجماهير.
2- المؤتمرات الصحفية: التي كانت ومازالت منذ أن عرفها الإعلاميون تمثل واحدة من اكبر أوعية نقل المعلومات, حيث تعقد هذه المؤتمرات بشكل دوري منتظم أم غير منتظم لإبلاغ الرأي العام من خلال المخبرين ووسائل الإعلام بالمشاكل والمنجزات المختلفة.
3- الأحاديث الإخبارية: ولهذا المصدر أهمية خاصة بالنسبة للمخبر الصحفي, وتزاد أهمية هذه الأحاديث تبعا لأهمية أصحابها وشهرتهم, وتزداد أهميتها كذلك حينما تتصل بموضوع مهم من موضوعات الساعة.
4- أجندة الصحفي والتقويم العام: حيث تحتوي هذه الأجندة على مواعيد الاجتماعات والجلسات والزيارات المقررة والمواعيد الخاصة بمقابلة بعض المسؤولين والشخصيات المهمة في المجالات المختلفة, فضلا عن التقويم العام بما يحوي من أعياد ومناسبات تاريخية وقومية ودينية والأحداث المتوقعة.
5- الإشاعات: فقد تفيد الإشاعة في العمل الإخباري من خلال تولي مخبري الصحف تعقبها والوقوف على مصداقيتها, وبالتالي إثباتها على شكل خبر مدعوم بالحقائق أو نفيها, إذ تؤشر الإشاعة للمخبر الصحفي العناوين الرئيسية للأحداث والاهتمامات التي توجب تعقبها... ويبرز استخدام الإشاعة في هذا المجال في الصحف والإذاعات السرية وبأوقات معينة وبأسلوب إقناعي خاص, لتحقيق أهداف معينة, وخاصة أثناء الأزمات.
6- مصادر أخرى: وقد يستقي المخبرون معلوماتهم من مصادر أخرى, ومنها الأخبار نفسها بما توحي بعض فقراتها أو مضمونها بأخبار متوقعة أو غير متوقعة, كما وتلعب المصادفة دورا في استقاء المخبر لمعلومات عن حدث غير متوقع, ومنه حين انفردت وكالة الاسوشيتد بريس الأمريكية الأنباء بنشر معلومات عن غرق الباخرة البريطانية ((تيتانك)) مساء 12 من نيسان عام 1912, بعد أن حصلت على معلومات الحدث بالمصادفة حينما كان احد عمال اللاسلكي يحرك مفتاح الراديو, الذي كان من المخترعات الحديثة وقتها, فالتقط إشارات طلب النجدة الموجهة من طاقم الباخرة إلى البحرية الأمريكية, فأسرع إلى الوكالة التي بثت نبا غرق ((تيتانك)) إلى جميع صحف العالم.
علاقة الصحفي بمصادر معلوماته
يحرص الصحفيون على إنشاء علاقة مودة مع مصادر معلوماتهم المهمة, خاصة إن ((كفاءة الصحفي تتوقف أحيانا على اختياره لمصدر معلومات متميز, فالصحفي قد يستفيد عندما تصبح تصريحات المصدر الذي يستمد منه معلوماته موضع اهتمام الآخرين)).
وفي المقابل.. ولان وسائل الاتصال الجماهيري هي الشريان الرئيس للاتصال بالجماهير, فقد كان الهدف الأساس لمصادر المعلومات, هو استغلال الصحافة أو استخدامها لتحقيق عدد من الأهداف, وكان الأسلوب الذي استخدمته المصادر للوصول إلى هذه الأهداف: هو الإقناع أو استغلال العلاقات الاجتماعية والشخصية بالمخبرين الصحفيين.
إن تلك الحاجة المتبادلة بين مصادر المعلومات والصحفيين, دفعت الباحثين إلى تشبيه العلاقة القائمة بين الطرفين, بعملية (جر الحبل), فكل جانب منهما يبحث عن سبل لسحب الآخر إلى دائرة اهتمامه, وتكون على وفق ذلك:
مصادر المعلومات تسعى إلى توجيه الأخبار بالطريقة التي تبرز ما تريده, وتخفي ما لا تريد له أن يظهر.
الصحفي يسعى – بالمقابل- إلى توجيه المصادر بغية الحصول على المعلومات التي تحقق لوسيلته الاتصالية السبق الصحفي, ويخدم من خلالها متلقيها.
ومن هنا فان ((تقييم الصحفي لمصادر المعلومات أمر مهم, إذ أن المجال الإخباري من الممكن أن يستخدم ببراعة شديدة في خدمة المصدر)), خاصة إن تلك المصادر التي يلتقي بها بشكل مستمر, فينشئ معها علاقة مودة قد تنتج عنها بمرور الزمن تغطية إخبارية غير موضوعية تكاد تغفل كل ما يستحق النقد, ((فمفتاح التحكم في وسيلة الإعلام هو ببساطة معرفة مصادر المعلومات لما يبحث عنه الصحفي)).
وعلى الرغم من هذه الحيطة التي بدأت تصاحب العمل الإخباري بين المخبر الصحفي ومصادر معلوماته, إلا أن دراسة إعلامية أجريت في كاليفورنيا لبحث العلاقة بين الطرفين أكدت نتائجها على ضرورة بقاء قنوات الاتصال مفتوحة بين المخبرين ومصادرهم.
وتتباين مستويات العلاقة بين المخبرين والمصادر التي يلتقون بها بشكل دوري, وبين تلك المصادر التي يلتقون بها لمرة واحدة, ولتلافي بعض الإخفاقات التي قد تحصل في التعامل الإخباري بالنسبة للحالة الأولى, فقد تلجا بعض المؤسسات الإعلامية إلى نقل مخبريها إلى مصادر إخبارية جديدة على وفق فترات منتظمة, في حين يرى آخرون إن تخصص المخبر الصحفي في مجال معين, من مجالات عمل الصحيفة يمكنه من إتقان عمله وتأديته بكفاءة ودقة, وان هذا التخصص يسمح للمخبر بان يوطد علاقاته بالمسؤولين عن ذلك المجال والمعنيين منهم, وتعزز من فرص حصوله على الأسباق الصحفية, وتعينه على معرفة كل أبعاد الخبر وتفاصيله وملابساته.
ويكون بذلك تأثير مصادر المعلومات بالمخبرين الصحفيين في جوانب أهمها:
1- إن المخبر يميل إلى أن ينقل لصحيفته أخبارا ترضي مصادره التي ستقدم إليه ثناء فوريا, يمثل بالنسبة إليه جزاءا عاجلا قد يكون أكثر أهمية من موقف (الجمهور الصامت), الذي قد لا يعرفه.
2- يتأثر المخبر الصحفي الدائم في مكان معين بالمكان والأشخاص, وقد تنمو بينه وبين مصادره ألفة وتعاطف يصلان إلى حد الخلط بين تفهمه لمشاكل هذه المصادر وولائه للمؤسسة الصحفية والجمهور, وهذا ما قد ينتج عنه – مستقبلا – تغطيات إخبارية غير موضوعية.
3- قيام مصادر المعلومات ذاتها بمحاولات للسيطرة على وسيلة الإعلام واستخدامها لترويج أخبارها, من خلال السيطرة على المخبر وإقناعه بنقل الأخبار الايجابية بالنسبة لمصادر المعلومات, ولتحقيق ذلك فان مصادر المعلومات تقوم بتوزيع الهدايا والجوائز للمخبرين, وتوجه الدعوات لحضور الاحتفالات وتحملها لنفقاتها, وقد يجعل قبول المخبرين الصحفيين لما يفرض عليهم من مصادرهم الإخبارية تابعين لها.. إلا إن هذا لا يعني أن تسوء علاقات المخبرين بالمصادر, وإنما يجب أن تكون العلاقة بين الطرفين متوازنة وصولا إلى تغطيات إخبارية أكثر دقة.
فان من ضمن مهام المخبرين الصحفيين التقرب من مصادر المعلومات, وتوثيق العلاقة معهم كلما أمكن ذلك, شرط أن لا ينضم المخبرون إلى مشاركة هذه المصادر فيما تفعله, ولا بالقيم التي يؤمن بها الأشخاص أو المؤسسات التي يغطي المخبرون أخبارها.
وتأسيسا على ما سبق.. يمكن إجمال التصور النظري للعلاقة بين المخبرين الصحفيين ومصادر معلوماتهم - بشكل عام - في ثلاثة اتجاهات:
1- أن يبقى المخبرون مستقلين عن مصادر المعلومات, دون تدخل الطرفين في أداء بعضهما, ويكون تدفق المعلومات هنا أحادي الاتجاه من مصدر المعلومات إلى المخبر.
2- أن يجد المخبرون والمصادر مجالات للتعاون فيما بينهما, من اجل تحقيق مصالحهم المشتركة, ويعتقد انه النمط الشائع للعلاقة بين الطرفين.
3- أن تسيطر المصادر على المخبرين أو بالعكس, حيث يقوم احد العنصرين بمحاولة استيعاب الآخر واحتوائه.
خلاصة
يتوقع المجتمع من وسائل الاتصال الجماهيري أن تغطي الأخبار بشكل موضوعي وان تقيمها بشكل مستقل, وهذا ما يتطلب أن تبقى حرة من أية تأثيرات تفرضها المؤسسات الاجتماعية الأخرى, وان يبقى المخبرون الصحفيون مستقلين عن الضغوط التي تأتي من مصادر الأخبار ومتحررين منها قدر الإمكان, خاصة إن المجتمع يرى إن المبرر الأساس لوجود الإعلام هو خدمة الجمهور.
المصادر:
1- إحسان عسكر, الخبر ومصادره, القاهرة, عالم الكتب, بلا تاريخ.
2- أديب خضور, الإعلام العربي, دمشق, المكتبة الإعلامية, ط2, 2008.
3- أديب خضور, الحديث التلفزيوني, دمشق, المكتبة الإعلامية, 2002.
4- جون هو هتبرغ, الصحفي المحترف, بيروت, المؤسسة الأهلية,
5- جيهان احمد رشتي, الإعلام ونظرياته في العصر الحديث, القاهرة, دار الفكر العربي, 1975.
6- سلافوي هاشكوفتس وديارو سلاف فيرست, مدخل إلى الصحافة – صحافة وكالات الأنباء, بيروت, دار الفارابي, 1985.
7- صفد حسام حمودي, مصادر المعلومات الخفية لوسائل الإعلام المختلفة في العراق, مجلة تواصل, هيئة الإعلام والاتصالات, بغداد, العدد (21), شباط / آذار, 2008.
8- علي عجوة, الأسس العلمية للعلاقات العامة, مصر, عالم الكتب, ط4, 2000.
9- فاروق أبو زيد, فن التحرير الصحفي, جدة, دار الشروق, 1984.
10- كورتيس ماكدوغال, مبادئ تحرير الأخبار, ترجمة: أديب خضور, دمشق, المكتبة الإعلامية, 2000.
11- محفوظ احمد جودة, العلاقات العامة – مفاهيم وممارسة, عمان, مؤسسة زهران للتوزيع والنشر, 1996.
12- محي الدين خير الله العوير, اثر الإعلام المعاصر – في العقيدة والتربية والسلوك, دمشق, دار النهضة للطباعة والنشر والتوزيع, 2007.
13- ملفين ل.ديلفير وساندرا بول – روكتيش, نظريات وسائل الإعلام, ترجمة: كمال عبد الرؤوف القاهرة, الدار الدولية للنشر والتوزيع, ط3, 1999.
14- ميج جرينفيلد, الصحافة في واشنطن, ترجمة: فايزة حكيم, مصر, الدار الدولية للاستثمارات الثقافية, 2004.
15- هربرت سترنز, المراسل الصحفي ومصادر الأخبار, ترجمة: سميرة ابو سيف, القاهرة, الدار الدولية للنشر والتوزيع, 1988.
16- وليم الميري, الاخبار – مصادرها ونشرها, القاهرة, مكتبة الانجلو مصرية, 1969.
م.م. صفد حسام حمودي
تدريسي وباحث في الشؤون الإعلامية / مركز جامعة بغداد