التفجير الانتحاري الاخير الذي كان من بين ضحاياه نخبة صحفية بضمنهم الزميل ابراهيم الكاتب مراسل قناة العراقية والذي جعل الكاتب بين خياري الموت او الحياة ليختار له القدر واحدة اما الموت والخلاص من حياة تعيسة ملئية بالمتاعب، او حياة مشلولة تحول متاعبه الميدانية الى متاعب نفسية و جسدية مدى الحياة ، هذا الحدث وما رافقه من تداعيات وردود افعال جاءت على اثر استشهاد زميلين مهمين في قناة البغدادية حفزني للكتابة عن جوانب خفية من الاضطهاد الذي تعرض اليه مراسلي قناة العراقية من قبل رجال الامن العراقي وحمايات الساسة المسؤولين، والذي (وللاسف الشديد) لم تشر اليه القناة بخبر يعيد ماء الوجه للمراسلة، كما تفعله الفضائيات الاخرى.
العراقية قناة مهمة ولاهميتها عملت بها لمدة بصفة سكرتير تحرير فضلا عن رئيس قسم المراسلين، ولولا انها تترك اثرا فاعلا في الساحة العراقية وعلى المشاهد العراقي لا سيما وانها تنطلق تحت شعار (الخبر اليقين) لما حفزني هذا الامر من ان هناك اخبارا يقينية كان ينبغي على العراقية ابرازها كونها لا تقل اهمية او خطورة عن الذي تكشفه علنا، لا سيما وانها حصلت مع مراسلين من نفس القناة غضّ الطرف عنها لاسباب قيل عنها انها من دوافع الخوف او المجاملة ولو على اساس الحقيقة!.
وحتى لا اطعن بجهة بعينها او بشخص بعينه من انه السبب وراء كل ما يحصل من اهمال لحقوق المراسلين، فان الكل يتحمل جزءاً ولو بسيطا من المسؤولية.
فالانتهاكات التي يتعرض اليها الصحفيون كثيرة والاكثر منها الاصوات التي تطالب بالحد من هكذا تجاوزات، ولكن الشيء الذي نراه يراوح مكانه مدى تفعيل تلك الوعود التي اطلقته تلك المؤسسات او من قبل رجالات الدولة للحد من هكذا ظاهرة خطيرة تعصف بالصحفيين في العراق في وقت يتعرض فيه الصحفي لانتهاكات حتى من نفس حمايات اولئك المسئولين الذين وعدوا وعودا رنانة دون ان يحركوا ساكنا إلا ماندر!.
فالمعروف لدى القاصي والداني ان القوات الامنيه تقع على عاتقها مسؤولية حفظ الامن والنظام وحماية امن المواطن فضلا عن حماية انفسهم، وان اندراج الصحفي تحت تسمية المواطن ووجوده في ميدان المخاطر والمتاعب، يحتم على رجل الامن العمل على حمايته مادام المراسل يشكل حلقة الوصل لنقل الصورة والصوت والكلمة التي توصل منجزاتهم الامنية، ولكن للاسف تلمسنا في ارض الواقع ان رجال الامن اصبحوا اكثر المعوقات التي تحول دون اتمام الصحفي واجبه على اتم وجه.
وعلى الرغم من الدفاع الصاخب الذي تفرغ له بعض الهيئات الانسانية والمؤسسات المعنية بالصحفيين بالاضافة الى الصحف والفضائيات، فان هناك خفايا اكثر خَشِيَ الصحفي من ابرازها مخافة ان يعاقب بالطرد او قطع الراتب او التوبيخ مثلا، واغضاء المسؤولين في الشبكة عن هكذا تجاوزات ينبع من الخوف احيانا و في الاحايين اخرى من المسائلة وتخوفات اخرى لا داعي لتوضيحها.
وهذه مشكلة الفضائيات المرتبطة بالدولة فوجود جهات رقابية شديدة قد تقيد المسؤولين عن البوح ازاء ما يجري على مراسليهم و منتسبيهم بشكل عام وربما الخوف من ان يفقد المسوؤل قيمته الادارية يدفعة الى غض الطرف عما يحصل ، بل وقد يعمد الى احباط معنويات المراسل على الافصاح بما حصل ووضعه طي الكتمان .
نعم اتفق جزئيا على ان الافصاح بهكذا تجاوزات والالحاح فيها عبر الفضايئات قد يفتح شهية المؤسسات المتربصة للتطبيل والتزمير على هذه النقطة والاندفاع من خلالها لضرب مسار العملية السياسية برمتها عبر المبالغة وتزييف الحقائق، ولكن لا يعني هذا ان الصحفي الذي يفر من نيران عدوة متمثلة بالارهاب ليقع هدفا سهلا لنيران صديقة سواء كانت من القوات العراقية او الدولية ( احتلال.. امريكان.. تحالف ...سمها ما شئت!!).
وليس خافيا فالعراقية من بين اكثر القنوات التي تعرضت وتتعرض لهكذا انتهاكات من قبيل الضرب او الاحتجاز او الشتم والمنع في وقت يقوم فيه المراسلون باداء واجباتهم على اساسين : الاول تلبية دعوة الجهة الداعية والثاني توجيههم من قبل القائمين عليهم في الشبكة، بمعنى ان الانتهاكات او الاساءات التي تطالهم يعرضون اليها وهم في صلب واجبهم وليس ثمة شيء طارئ خارج اطار العمل.
فالمؤتمرات والندوات والجولات الميدانية للمسؤولين تفرز باستمرار مشاكل كهذه من تهديد ووعد ووعيد وما الى ذلك من سلوكيات مشينة تصدر عن بعض عناصر الحمايات الشخصية او القوات الامنية ، فاذا ما حاول المراسل ايصال شكواه عبر وسائل الاعلام وتجاوز السياقات الادارية لقناته فانه سيلاقي مطبات تحول دون البت بشكواه ورفع مظلوميته اعلاميا الى هذا المسؤول او ذاك بحجة ان القناة قناة الدولة وان القائمين على الامن هم من رجالات الدولة ولا يصح عندها ضرب الدولة بالدولة واضعافها!!... والسؤال الذي يطرح نفسه هل يعني تبعية القناة لدعم الدولة ان يتم اغضاء الطرف عن الانتهاكات التي تطال صحفييها؟ وان لايحاسب رجل الامن عند تخطيه حدود اللباقة والادب اوالقانون والتجاوز على حقوق الآخرين ؟!... شيء غريب!؟.
فما تلمسته من خلال عملي في قناة العراقية وما وردتني منها من شكاوى مستمرة تصدر من العاملين الميدانيين من مراسلين ومصورين وسواق عدم تمكن المسؤولين هناك من دعم الصحفي في خبر عاجل او آجل او شارة او على الاقل تلميحة والاقتصار على التعتيم قد يشجع قوات الامن وحمايات المسؤولين على التمادي في التجاوز ما دام هناك اصوات خافته غير معلنة ولا تصرح ولا باعتراضات خجولة ازاء ما يحصل.
وللحقيقة اذكر ان قناة الحرة برغم ما فيها من نقاط ليس هناك داعي للاشارة اليها في الوقت الحاضر، فانها سباقة الى الدفاع عن منتسبيها بل واحراج المسؤولين لدرجة اخضاعهم الى الاعتذار واذكرة ان مراسلا لها في كربلاء تعرض للضرب من قبل احد المسؤولين البارزين حتى اقامت الدنيا ولم تقعدها عبر اخبار وتقارير تدين ما تعرض اليه مراسلها لدرجة طرزت اسفل الشاشة بسبتايتل حول ماجرى دام دورانه لثلاثة ايام متتالية، ما دفع ذلك المسؤول الى الاعتذار الامر الذي دفع القناة لنشر الاعتذار في اخبارها وعبر السبتايتل ولمدة ثلاثة ايام متتالية ايضا، لتحقق مأربا كبيرا منها انها وبخت المسؤول اياما متتالية ومن ثم نشرت خبر انتصارها عبر نشر الاعتذار فضلا عن انها اوصلت رسالة الى المسؤولين كافة بانها ستفعل الاكثر اذا ما تعرض صحفي لها بمكروه في المستقبل , وكانت خطواتها المثيرة هذه واضحة خلال ازمة ميثم الشيباني مع محافظ الديوانية ،والتي تمكنت القناة من اعلاء شأنها وشأن مراسلها معا ،وغيرها من الحالات لعل آخرها ماتعرض اليه المراسل احمد عرام في انتخابات مجالس المحافظات من طرد.... وما الى ذلك اذ انها مزجت بين عنصر التشويق والتفرد في تصدير الاخبار لان مايحصل لمراسليها ليست خارجة عن الاطار الخبري حتى يتم اهماله او تجاوزة بشكل سافر!.
ولكي اقرب الصور اكثر ساذكر جملة من الانتهاكات التي تعرض اليها مراسلو قناة العراقية: (تعرض سحر الابراهيمي مع كادرها العام الماضي لسوء معاملة من قبل افراد الحراسات في المسرح الوطني لدى تغطيتها لمهرجان هناك ... وتعرضها للاساءةهي وفريقها بمدخل وزارة الداخلية لولا الموقف الملحوظ للواء عبد الكريم خلف الذي حضر الى مكان الحادث ووبخ رجال الامن وقدم اعتذاره لسحر والكادر المرافق لها ... احتجاز امجد طليع في منطقة ام القرى لدى ذهابه لتغطية مراسيم صلاة الجمعة وإخلاء سبيله بعد ساعات من الاحتجاز ....وكذلك احتجازة من قبل شرطة باب الشيخ لدى تغطيته موضوع عن الدراجا ت النارية ....وآخر احتجاز وإهانة تعرض لها عندما كان برفقة فريق مؤلف من 20 شخصا تم احتجاهم لساعة كاملة من قبل رجال الامن العراقيين تعرض خلالها الزميل المصور مجيد عماد الدين الى الضرب في حينها لدى تغطيته زيارة الامامين العسكريين(ع) الاخيرة في سامراء ...تعرض عباس ناعم وفريقة للاهانة من قبل القوات الاميركية حيث اوقفوهم تحت المطر لساعتين ونصف ،شتاء العام الماضي.... تعرض المصور محمد قاسم الى الضرب من قبل القوات العراقية والشرطة وعناصر من الصحوة منتصف العام الماضي لدى تغطيته لانفجار في منطقة الحرية وتعرضه الى رضوض وجروح شديد اقعدته 3 شهور عن العمل! ...ولا ننسى الاهانة المؤلمة التي تعرض اليه مراسل العراقية السابق على الخالدي عام 2005 حينما صودرت من مصوره المرافق له كامرته في تقاطع الصالحية وقصر المؤتمرات وقيام احد افراد الامن بطرح الخالدي على الارض ومن ثم داس بحذائه على رأسه بمرأى من المارة ....الاعتداء على قيس المرشد لدى وصول المنتخب العراقي من تصفيات آسيا في مقر رئاسة الوزاء لو لا ان تداركها رئيس الوزراء بحنكة متميزة حين قدم الاعتذار لقيس المرشد (عبر المنسق الاعلامي آن ذاك حيدر مجيد )ولستة مرات متتالية..ولا يفوتني الاهانة المؤلمة التي تعرض اليها المراسل حيدر العبودي الذي كان برفقة المذيع حسين بديع في مدخل دائرة شبكة الاعلام العراقي حيث تعرض الاخيرالى الضرب واللكم واهانة قل نظيرها لدرجة تم تكبيله بالجامعة من قبل حمايات أحد المسؤولين الذي جاء ضيفا لحوار في العراقية!!، من دون ان تنوه العراقية لهذا الحدث الخطير الذي وصل حتى الى عقر دارها!!..وغيرها من المواقف المؤلمة تركناها خشية الاطالة.
فقط ما اردت التلميح اليه هو التراخي الحاصل ازاء ما يحصل و ترك الامور والتعميم على مايتعرض اليه منتسبوا الشبكة بشكل عام والاكتفاء بسماع الاعتذار من المسؤول بشكل شخصي او بالنيابة، دون الافصاح عن الحادث وما رافقه من اعتذار اعلاميا ،لتكون بمثابة الحصانة للمنتسبين ولكي لايتكرر بحقهم ما لايحمد عقباه مستقبلا ، اعتقد ان التهاون هذا سيدفع الغير ممن لايعرف الحجم الحقيقي للصحفي في مجتمعة فضلا عن عدم درايته بالاعتذارات الآتية من وراء الكواليس الى التعامل معهم بالضرب المربح او ربما الركل بالاحذية في البطون اذا ما بقي الصمت هو الحل الامثل تجاه ما يتعرض اليه الصحفيين من انتهاكات خطيرة.
ختاما ارى إن الدافع الآخر الذي حملني على الكتابة هي الاصوات الكثيرة التي دعت الى ضرورة سن تشريعات وقوانين تضمن الحماية للصحفيين دعااليها متخصصون وسياسيون ورجال دين ،فضلا عن الردود المشجعةالتي وصلتني حول مقالي السابق الذي حمل عنوان: (حقا انهم مراسلون) والذي اخذت فيه نموذجين لمراسلين اثنين لديهما حضور ملفت واعني بهما حيدر العبودي من قناة العراقية وفلاح الذهبي من قناة الحرة، ما دفع بعض مراسلي العراقية الى ان يطلبوا مني الكتابه حول الانتهاكات التي طالتهم وتطالهم بالخفاء والتي دونتها سابقا واجّلتُ نشرها مخافة سوء الفهم رغم خلوها من سوء القصد ، ولعل ما دفعني هذه المرة الادارة الجديدة التي قيل في وصفها الكثير والتي نأمل لها ان تكون بحجم ما يقال عنها لما اطلقتها من وعود مشجة لالفاتها الى هذه النقطة الحساسة والمخيفة،في الوقت الذي ارى فيه ان ابقاء هكذا حقائق خافية دون كشفها و الافصاح عنها، تعد خيانة لمبدئي الديمقراطية والشفافية التي نتطلع الى تحقيقهما في مرحلة عراق ما بعد الاضطهاد والتكميم ، وبالمرةهي ابراز لحقيقة مرّة مضت دون ان يُنوِه عنها ببرنامج او تقرير او خبر ...او حتى "سبتايتل" وذلك اضعف الايمان!.
* كاتب واعلامي عراقي