في عالم اليوم، أصبحت المعلومة متاحة، عبر وسائل اتصال متعددة، ومع ذلك لا نزال نسمع، أو نقرأ، هنا وهناك، خبرا عن حجب الموقع الفلاني، في هذه الدولة أو تلك، عن القراء، تحت اسباب وتبريرات لا ترقى الى القبول. تُرى ما هي الاسباب والدوافع، التي تقف وراء حجب المعلومة؟ ولماذا تنحو بعض الدول هذا المنحى، مع أن العصر يستوجب أن يتعامل المعنيون بحرية مع الاعلام، وفتح الآفاق أمام المعلومات، والآراء المتعددة بصورة متواصلة، بل لابد أن تتاح مساحات جيدة، للجدل الحر المتبادل الذي يعتمد الوسطية والاعتدال.
ولكن –كما تشير الوقائع- أن بعض الدول في الشرق الاوسط، ذهبت الى اسلوب حجب المعلومات، في محاولة لعزل مجتمعاتها عن الآخرين، وهو اسلوب دأبت عليه دول تقودها أنظمة سياسية تخشى شعوبها حتما، وإلا ما الداعي لهذا التخوّف اللامبرر في غلق النوافذ المعلوماتية أمام شعوبها سوى الخوف منها؟ وكلنا سمعنا وعرفنا، أنك حين تخشى شيئا (معلومة او كتابا او فكرا) عليك أن تعرفه بنفسك، لكي تعرف كيفية تجنبه واتقاء مخاطره، بمعنى أوضح أن تواجهه بدلا من أن تهرب منه، وحجب المعلومات، بهذا المعنى، يشكّل عملية هروب واضحة، من مواجهة سيول المعلومات والآراء التي تكتسح العالم، شاءت الأنظمة الأحادية الدكتاتورية أم أبت.
إن بعض الدول التي تنتهج هذا النهج، تقودها أنظمة سياسية، همها الاول هو الحفاظ على نفسها، ومناصبها ومكاسبها، إذ ترى في الآراء الأخرى المنفتحة على الآخرين، وسائل خطر تهدد مصيرها، أما الدول والانظمة التي لا تخشى شعوبها، فإنها على العكس من ذلك، تشجع المواقع ذات النهج الوسطي المعتدل، الذي يحرص القائمون بإدارتها على اتخاذ الوسطية والاعتدال منهجا لها، وشرطا أساسيا من شروط النشر فيها. ولكن ضيق الأفق لبعض الانظمة السياسية، يدفعها الى تجنب حتى الوسطية والاعتدال، بمعنى أنها تريد من الجميع أن يصطفوا الى جانبها، ويتفقون ومع منهجها، ويوافقونها على سلوكها وتوجهاتها، أما من يختلف معها، حتى لو كان الاختلاف ذا سمة معتدلة، فإنها ترى في ذلك مصدر خطرٍ عليها، ولهذا تلجأ الى حجب المعلومات كطريقة لحماية نفسها ومصالحها من خلال عزل الشعب، وهو نهج خاطئ لاسيما أننا نعيش عصرا سمته الأساسية الانفتاح مع الجميع.
ولدينا من وسائل الاتصال، مؤسسات اعلامية ثقافية معتدلة، وذات طابع مهني بعيد عن الصخب، والاثارة الجوفاء، لأنها تحمل رسالة انسانية واضحة المعالم، وتحاول توصيلها الى الجميع، باسلوب منهجي معاصر، يتخذ من الصدق، والحقيقة، شرطين لا يمكن تجاوزهما او الاخلال بهما، كما تهدف الى تنوير القارئ في شتى المجالات، والميادين السياسية، والاقتصادية، والدينية، والعلمية، والانسانية على نحو عام، بطرائق لا تخدش الآخرين، ولا تتعرض لهم بالاساءة قط، وهي سياسة اعلامية تتخذ الوسطية كنهج دائم في توصيل المعلومات للقارئ.
ولهذا كان على الانظمة السياسية، التي تنتهج حجب حجب المعلومات عن شعوبها، أن تكون أكثر انفتاحا في عصر اعلامي سريع ومتدفق، حيث أصبح العالم، غرفة واسعة يجلس فيها الجميع مع الجميع، ويبدآن لغة الحوار المعتدل، بدلا من نهج الانغلاق والتحجر.
ومن الأهداف المهمة التي اتخذتها بعض المؤسسات الاعلامية المعتدلة، هو مبدأ الاصلاح، والتغيير والبناء، عبر رسالة انسانية، تحاول أن تسهم في تذليل العقبات، التي تواجه الحكومات، والشعوب معا، بمعنى أنها لا تبخل بإيصال التجارب والمعلومات المعاصرة التي تحاول أن تساعد الحكومات الخائفة من الحرية، والتي تتعامل مع الآخرين على أنهم اعداء، بدلا من أن تتخذ منهم عبر الحوار والتحرر عناصر قوة ودعم لها.
كذلك الحال مع القارئ العادي، حيث دأبت بعض المؤسسات الاعلامية على تبصير بسطاء الناس بما يتعلق بحقوقهم، وحرياتهم، والمطالبة بها، وكيفية ممارستها، وهي حق تكفله لها الاديان، والشرائع، والاعراف، والاخلاق، والقوانين الوضعية، المتمثلة بالدساتير المصوَّت عليها من لدن الشعوب، وهي بمثابة العقد المبرم بين الحاكم والمحكوم، ولسنا هنا بصدد الدساتير الصورية، التي يأمر الحاكم بكتابتها لصالحه ويصوت عليها ممثلو هذا الشعب او ذاك صوريا، وهو أمر يتكرر في الدول التي تحكمها انظمة دكتاتورية.
ولذلك سنبقى نتساءل، لماذا تقوم بعض الدول بحجب مواقع اعلامية ثقافية، معتدلة، وتنتهج الوسطية، والايجابية، وتبتعد عن التوتر والاثارة المتبادلة، وما الى ذلك من اساليب، لا تخدم الرسالة الاعلامية، في أي حال من الاحوال؟.
إننا نقترح مجددا على حكومات الدول التي تنتهج سياسة حجب المعلومات عن شعوبها، أن تعيد حساباتها بهذا الصدد، وأن تدعم وتتعامل مع الحقائق بايجابية، تتسق مع رسالة الاعلام الحقيقي النزيه، وهي رسالة تهدف اولا وأخيرا الى التنوير، وايصال المعلومات وجعلها متاحة أمام الجميع، بطرق واساليب وأنهاج، لا تجرح ولا تحرج أحد ولا تتجاوز على حقوق الغير.