انطلقت الصحافة العراقية منتصف حزيران عام 1869، من (الزوراء) أول صحيفة صدرت في بغداد قبل حوالي (140) عاماً وكانت تطبع بمطبعة الولاية بعد قيام مدحت باشا والي بغداد بشرائها من باريس باسم مطبعة الزوراء، واهتمت بنشر الأخبار المتعلقة بالشؤون الداخلية والخارجية، فضلا عن البيانات والمقالات في الشؤون الثقافية والسياسية والصحية، وتعد احدى المصادر التاريخية المهمة لتقويم الأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة في العراق حينذاك، وقد ازدهرت صحافة الولايات فصدرت في ولاية بغداد صحف عدة منها (بغداد، مكتب، الحقيقة، وجدان، يلدرم، معارف، مقتبسات، إرشاد، بانك كردستان، برق، بين النهرين، تعاون، تفكر، جهاد، حقوق، الحقيقة، روضة، زهور، سبيل إرشاد، صائب، طرائف، عراق، غنجه ي اتحاد، قسطاس، قلنچ -السيف)، وكانت ناطقة باللغتين العربية والتركية.
اما الصحف في ولاية الموصل، فصدرت صحيفة (الموصل) عام 1885 وهي الثانية بعد الزوراء. اما الصحف في ولاية البصرة، فصدرت صحيفة (البصرة) عام 1899 وهي الثالثة بعد صحيفتي الزوراء والموصل، تلتها صحف (الآتي، الإيقاظ، التهذيب، إظهار الحق، مرقعة الهندي، الفيض الجديد، التاج، البصرة الفيحاء، الرشاد، الدستور، صدى الدستور).
وقد أخذت الصحافة تمارس وظيفتها السياسية في المجتمع، مع اعلان تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، وتشكيل المنظمات الأدبية والثقافية وما صحبها من تغييرات عبر مديات زمنية مختلفة، رسمت صورة الخريطة السياسية للبلد، وتواصلت الصحافة في نشاطها على المستويين الرسمي وغير الرسمي حتى عام 2003، اذ تغير المشهد الإعلامي في العراق بعد اتساع فضاء حرية التعبير عن الرأي والفكر، التي تتصف بالمسؤولية الاجتماعية والإعلامية، اذ تمثلت بإصدار العشرات من الصحف اليومية والاسبوعية، وبدأ البث للقنوات الاذاعية والتلفزيونية ومنها ماعمل وفق نظام البث التجريبي او الفضائي..
ويعد الإعلام أحد الركائز الرئيسة لأي تغيير سياسي واجتماعي، فحداثة التجربة الديمقراطية والتعددية السياسية، لايمكن لها ان تتطور دون إعلام حر ومسؤول يمارس دوره الرقابي بشكل موضوعي نزيه وحيادي بوصفه رابعة مستقلة، بعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، نظراً للدور الاستراتيجي لوسائل الاتصال الجماهيري سواء أكانت المقروءة أم المسموعة أم المرئية في بناء المجتمع الديمقراطي، من خلال نقل وترسيخ الصورة الذهنية في مخيلة الجمهور عبر الرسائل الإعلامية الموجهة اليه.
ان انعكاس الأوضاع الأمنية غير المستقرة على العمل الصحفي، والتي اعقبت العمليات العسكرية ودخول القوات الاجنبية العراق، وتعرض العاملون في المجال الإعلامي لأعمال مسلحة، ذهب ضحيتها (247) صحفياً عراقياً وأجنبياً، منهم (137) صحفياً، و(52) مساعداً فنياً، فيما لف الغموض الأعمال الأخرى التي استهدفت الاخرين، واختطاف (64) مابين صحفياً ومساعداً إعلامياً، قتل اغلبهم ومازال (14) منهم في عداد المفقودين، حسب احصائيات أصدرها مرصد الحريات الصحفية.
فقراءة تلك الاحصائيات تدلل على ان مسيرة العمل الإعلامي العراقي، تتطلب من الحكومة ومجلس النواب العمل من اجل كفالة حرية الصحافة والوصول الى المعلومات، في إطار اصدار تشريع قانون حماية الصحفيين، لضمان حقوقهم وتأمين ظروفهم المعيشية بما يوفر حياة كريمة لهم، ويعد ذلك حقاً طبيعياً يتمتع به كل إنسان، وقد نصت عليه اللوائح العالمية لحقوق الإنسان.
واليوم تتضاعف المسؤولية الملقاة على عاتق نقابة الصحفيين العراقيين، بعد انعقاد مؤتمر قمة بغداد للصحافة خلال الشهر المنصرم، لتكثيف جهودها من اجل النهوض بواقع مهنة الصحافة، كونها تمثل الجهة النقابية والتنظيمية، لاسيما بعد غياب مؤسسات الإعلام الحكومي، وحضور المؤسسات الإعلامية التابعة للقطاع الخاص، فان العاملين فيها وفق صيغة عقود العمل، واعتقد ان اغلبها لاتخضع لقانون العمل والضمان الاجتماعي، بالتالي لا تضمن حقوق هؤلاء في حال تعرضهم لطارئ في اثناء ممارسة عملهم.
تحية للسائرين في بلاط صاحبة الجلالة وتهنئة، لمناسبة حلول الذكرى الأربعين بعد المئة لميلادها، على طريق الكلمة الحرة المسؤولة والمعبرة عن الرأي والرأي الأخر، وطموح المواطن في بناء بلدنا العزيز.. وكل عام وانتم بخير؛
باحث أكاديمي
alsalihwm@yahoo.com