مرصد الحريات الصحفية

مرصد الحريات الصحفية

الصفحة الرئيسية > قضايا ومقالات > واجهات ورقية يومية...

واجهات ورقية يومية للحكومات العربية

كيف أوجدت وكالات الأنباء الوطنية (واجهات) ورقية يومية للحكومات العربية؟

 


صفد حسام الساموك
صحفي وتدريسي وباحث
في شؤون الإعلام والاتصال
مركز جامعة بغداد

هل إن الأحداث والوقائع والقرارات المتعلقة بالحكومة مهمة, لدرجة انه لا يمكن للصحافيين الاستغناء عنها في يومياتهم.. وبالمقابل: هل إن ( مفاهيم ) العمل الصحافي المستقل تعني أن تبيت تلك (اليوميات) بمنأى عن أي نشاط حكومي, وان يخرج صحافيو ( التغطيات الحكومية ) أنفسهم من دائرة الاتهام بالتبعية للحكومة من خلال ذلك.. وهل أن هناك حلا وساطا ما بين الأمرين؟.
 
إن في بحث القول: ((انه من البديهي إن تكون تغطيات اغلب اليوميات العربية – وفي بعض دول الجنوب – لأنشطة حكوماتها مسؤولية بأعناق صحافييها, تنبع من أساس الإيديولوجيات التي قامت عليها تلك الحكومات)), يوجد التساؤل, الذي تمسي الإجابة عنه احدى أسس المقارنة والمقاربة بين أنموذجين صحافيين, الأول متقدم, وآخر يريد أن يتقدم, وهو: أين دول الشمال المتطور من كل ذلك؟.
 
انموذج يريد ان يتقدم
 
في رأس الهرم.. حيث أنموذج الديمقراطيات والحريات والتعدديات الصحافية الأكثر تقدما, اختير احد أعداد صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية (NEW YORK TIMES) عشوائيا, وقد تبين: إن خمس تغطيات إخبارية, من أصل سبعة نشرت على الصفحة الأولى, كانت من مصادر حكومية, أما التغطيتين الباقيتين فكانتا عن زلزال وقع في حينها بمصر, وظهور مرض السل في الولايات المتحدة, واحد الاستنتاجات التي تم التوصل إليها: إن الصحافة في الغرب تحرص – أيضا - على البحث عن المعلومات المتصلة بالحكومة, على الرغم من إن هذه الصحفية تمتلك مراسلين في معظم أنحاء العالم, وتشترك في نحو عشرين وكالة أنباء مختلفة, ويصل إليها يوميا نحو مليون كلمة عن طريق وكالات الأنباء واحدها, تنشر منها نحو (125) ألف كلمة, وهو ما يعني إن بإمكانها إيجاد تغطيات من مصادر متعددة غير الحكومة.
 
ووفقا لذلك.. تكون لمصادر الأخبار الحكومية أهمية خاصة يحرص الصحافيون على تامين علاقاتهم معها, إذ أنها تتفوق في كثير من الحالات بتقديم ما يجذب ويثير الانتباه بالنسبة للمتلقين في جميع المجتمعات, لأتصال أنبائها الوثيق بما يؤثر في جموع هؤلاء المتلقين, ويمس حياتهم ومستقبلهم, فهي تغذي الصحف دائما بما تصدره الحكومة من تشريعات, وما تتخذه السلطات من إجراءات وما يصدره المسؤولون من قرارات وبلاغات, حتى إن البعض يذهب إلى إن المؤسسات الحكومية بشكل عام صارت الممول الرئيس لمعظم الأخبار, إذ إن قيمة مصادر هذه الأخبار نابعة من قيمة الأخبار الحكومية نفسها, وفي مختلف المجتمعات, إلا إن تلك الأهمية لا تعني أن تكون التغطيات الصحافية لليوميات موجهة بالدرجة الأولى للتنويه بنشاطات أعضاء الحكومة أو رئيسها, وتكون راصدة لتحركاتهم وفعالياتهم, وتعطيها الأولوية في النشر, على حساب وقائع وأحداث محلية تحمل قيما صحافية أعلى مرتبة, بالنسبة للمتلقين.
 
سطوة وكالات الأنباء
 
ولان وكالات الأنباء ( الوطنية ) تشكل المصدر الرئيس للمعلومات المتدفقة محليا في اغلب الدول العربية, والمتعلقة بالأحداث والوقائع, التي تتناولها بنسبة كبيرة وسائل الإعلام المختلفة في المجتمعات التي ترتبط بها تلك الوسائل والأحداث, فهي تمارس دورا مهما في ( تحديد) طبيعة التغطيات اليومية للأخبار المحلية, والتي تشكل نشراتها اليومية المرسلة إلى الصحف سياسية إعلامية للصحف الصادرة في اليوم التالي, خاصة مع الأخبار الرسمية, التي غالبا ما يرفق بثها للصحف عبر تلك الوكالات عبارة: ( ينشر ويبث ويذاع ), وهو ما تعده الصحف تعميما حكوميا واجب التنفيذ, الأمر الذي يجعل مضامين الإعلام تبدو متشابهة إلى حد ما على صفحات الجرائد اليومية, في اليوم الذي يلي وقوع الأحداث, ونتج عن ذلك أن تسهم وكالات الأنباء الوطنية بإيجاد واجهات ورقية يومية للحكومات يمكن تصل إلى كل بيت عربي.
 
إن الدور الرئيس للوكالة ( الوطنية ) للأنباء هو: أن تؤمن لصحافة البلد مجموعة من الأخبار التي تحتاج إليها, وقد تحصل الوكالة الوطنية على هذه الأخبار من خلال شبكتها الخاصة من المراسلين المنتشرين داخل المجتمع المحلي, فضلا عن عدد من العواصم والمدن الأجنبية المهمة, لتغطية الأحداث والوقائع التي تهم مضامينها جمهور هذا المجتمع.. إلا إن واقع الحال يشير إلى أن وكالات الأنباء الوطنية ( اقتضبت ) المعلومات التي يفترض أن تهتم بأحداث جوهرية ترتبط بيوميات الجمهور, بنشر ( نصوص جاهزة, مضمنة وأحاديث المصدر الذي يرتبط بالسلطة, وتحتوي على تعداد روتيني مكرر لأسماء وألقاب صناع الحدث الرسمي ومناصبهم من المسؤولين في المستويات كافة ( اجتماعات السلطات الحكومية – مؤسسات وهيئات رسمية – تشريعات وقرارات وإجراءات وسلوكيات مختلفة تليها – شعارات – ثابتة وصالحة لكل حدث في جميع الأمكنة والأزمنة, وهي تخلو من أية معلومات أو معطيات محددة أو أرقام أو بيانات توضيحية أو وثائق تفصيلية).
 
مهمات صحافية معطلة
 
وفي سياق التأصيل التاريخي للوكالات الوطنية للأنباء, لا تختلف رؤى الباحثين في شؤون الإعلام العربي, وهو ما نتفق معه بواقع الحال, بان قيام معظم بلدان الجنوب, وخاصة العربية منها بتأسيس وكالات أنباء (وطنية), كان نتاج الشعور بالحاجة إلى التخلص من التبعية الإعلامية, ونفوذ وسيطرة وكالات الأنباء الدولية العملاقة ( الفرنسيةAFP, رويتر R, اسوشيتدبرس AP, يونايتدبرس UPI) التي كانت وقتها تمارس وضعا احتكاريا مسيطرا على تدفق المعلومات الإخبارية عبر العالم, وهي مازالت كذلك – إلى حد ما – حتى الآن.
 
ويعود سبب إطلاق تسمية الوطنية ( National), على معظم الوكالات التي أسست في الدول التي تحررت من السيطرة الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية إلى إن عمل هذه الوكالات كان محصورا في وقتها داخل البلد الذي أسست فيه الوكالة الوطنية, وقد بقي استعمال هذه التسمية قائمة لحد الآن على الرغم من توسع أعمال العديد من هذه الوكالات وفتحها العديد من المركز خارج بلدانها, ولا تعني هذه التسمية في الوقت الحاضر سوى التمييز بين الوكالات المختلفة للأنباء, أو بين مجموعة وكالات عن مجموعة أخرى تختلف عن الأولى في سياساتها.
 
ويمكن للمتتبع لمسيرة هذه الوكالات عبر تاريخها (الحديث) ان يلمس انها لم تتقدم كثيرا من حيث الفكرة والاسلوب منذ يوم تاسيس كل منها لغاية يومنا هذا, واجد ان من المفيد تبيان انه خلال أربع سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية أعلن عن تأسيس (25) وكالة وطنية للأنباء, ومع مطلع ستينيات القرن الماضي بدأت (23) وكالة أنباء وطنية أعمالها في قارتي آسيا وأفريقيا فقط, فيما وصلت أعدادها بعد عشر سنوات إلى (11) وكالة أنباء وطنية في آسيا, و (26) في أفريقيا, و (11) في أمريكا اللاتينية, أما الدول العربي فبلغت وكالاتها الوطنية (19), مازال العديد منها لغاية الآن دون المستوى المطلوب حرفيا من وكالات الأنباء, واقتصرت مهامها الفعلية بجمع وتوزيع المعلومات المرتبطة بالأنباء الرسمية, وهي تمارس نوعا من الحراسة على الأنباء الواردة من الخارج.
 
ونجد إن الفترة التي وقعت ما بين (1956 و 1976), قد شهدت تأسيس جميع الوكالات العربية للأنباء, وهي جميعها – بواقع الحال - رسمية تابعة للدولة, وتعمل على تركيز تغطياتها على الأخبار الرسمية, وقد أشر في هذا الصدد أستاذ الإعلام العربي الكبير فاروق أبو زيد ( مصري ) عددا من المؤاخذات كان من بينها:
 
- لا تقدم وكالات الأنباء العربية معالجة متوازنة وموضوعية وصادقة للأحداث الداخلية, بل ركزت نشاطاتها على تغطية النشاطات المحلية الرسمية.
- لم تأت عملية إنشاء وكالات الأنباء الوطنية العربية, والتي تعود ملكياتها بشكل كامل للدول, استجابة لضرورات موضوعية, بل استجابة لدوافع تتعلق باستكمال بنية وشكلية الدولة.
- لم تستطع هذه الوكالات أن تقدم تغطية بديلة عن تلك التي تقدمها الوكالات الدولية للأنباء.
- تحولت وكالات الأنباء الوطنية العربية إلى جهاز رسمي صارم ( للرقابة والتوجيه ), وأصبحت تغطيتها للأحداث الداخلية, لأسباب متنوعة ذاتية وموضوعية هي التغطية المعتمدة, كما أصبحت ملخصاتها لخدمات وكالات الأنباء العالمية, هي الصيغ المعتمدة لتغطية الأحداث الخارجية, الأمر الذي أدى إلى عزل أجهزة الإعلام المحلية عن الواقع المحلي والدولي.
- عجزت وكالات الأنباء العربية عن تحقيق القدر المطلوب من التعاون والتنسيق في ما بينها, وذلك على الرغم من النشاطات والمحاولات الرسمية في هذا المجال.   
 
لقد التزمت اغلب الصحف العربية بنشر ما تبثه وكالات الأنباء الوطنية التابعة لحكوماتها لها, على الرغم من إن جميع الدساتير العربية أقرت مبدأ حريات التعبير والنشر والإعلام بعبارات متقاربة, إذ تفيد د. تهامة الجندي في مؤلفها ( الإعلام العربي – قلق الهوية والحضارات ): إن بعض النصوص الدستورية استفاد من العبارات الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الشهيرة التاسعة عشر, إلا إن جميع هذه النصوص باتت مقيدة بعبارات ملتبسة يصعب تحديد دلالاتها, مثل ( في حدود القانون ), أو ( أن لا تمس المصلحة القومية ), أو ( أن لا تتعارض مع الصالح العام ), فضلا عن كون جميع أجهزة الإعلام تخضع بشكل أو بآخر لسلطة الدولة.
 
اعلام مخترق
 
وفي مقابل ذلك.. نلاحظ إن مؤسسات الإعلام العربي (مخترقة) من قبل الكثير من الموظفين الذين عينوا لاعتبارات مختلفة, لا تمت بصلة إلى حرفيات الإعلام, وتمسي اغلب دورات التدريب وإعادة التأهيل فيها شكلية, كما إن معظم العاملين فيها من الإعلاميين الحقيقيين مبعدين عن دوائر القرار, ومحاصرين بإدارات بيروقراطية و رقابات تحد من قدراتهم, وتمنعهم من الوصول إلى مصادر المعلومات, وهي مصادر غير كافية بطبيعة الحال, مع إن العمل الإعلامي جهد يتطلب المعرفة أولا وقبل كل شئ, ويتطلب الأداء المحترف منهم الشفافية وتعدد المصادر, وهي متطلبات لا تتعلق فقط بكفاءة العاملين, بل تدخل في عداد أخلاق المهنة الصحافية الملتزمة.
 
وفي العراق, فقد شهدت فترة ما بعد 2003 ظهور العديد من المواقع الالكترونية عبر الانترنت قدمت نفسها على إنها وكالات مستقلة للأنباء, وقد قدمت تغطيات صحافية جديدة عن الوقائع والأحداث المحلية, التي ارتبطت بالمجالين السياسي والأمني بالدرجة الأساس, إلا إن اغلبها صارت أوعية ناقلة لبيانات صحفية للوزارات والأجهزة الحكومية والكتل والأحزاب, وكانت التغطيات الخاصة بها محدودة, إلا إن بعضا منها التزم – أيضا – بخطاب سياسي أو ديني أو قومي أو فكري وضعته له الجهة التي تمولها أو تعود إليها ملكية وكالة الأنباء, وكان ذلك (الخطاب) حارس بوابة جديد للعملية الإعلامية في العراق, مارس سلطته على حريات تدفق المعلومات, ولم يوفر التغطيات الصحافية المتوازنة في حالات متعددة, وهو ما يوجب أن يؤسس لوكالات كبرى ومستقلة للأنباء في العراق, توفر تغطية إخبارية محلية للصحف العربية, تعتمد القيم الموضوعية والحرفية للإعلام.

 

 

 

  • انتهاكات ضد مجموعة صحفيين غطوا تظاهرة ضد الفساد في حلبجة

  • لجنة حماية الصحفيين تطالب سلطات العراق بضمان حماية الطائي وضمد

  • البصرة: اعتداء على إعلامي واجباره على توقيع تعهد بعد توثيقه حالة قمع (فيديو)

  • كردستان: اعتقال الصحفيين لن يخفي الأحداث ويقود لنتائج عكسية

  • قوة أمنية تعتدي على كادر الرابعة في البصرة بتحطيم المعدات والضرب والاحتجاز

  • وزير الداخلية يقاضي الإعلامي حيدر الحمداني بتهمة القذف والتشهير

  • قانون جرائم المعلوماتية: مُفصّل على مقاس السلطة.. ومخيّب لتطلعات الصحفيين

  • تعرض المراسل فاضل البطاط الى اعتداء على يد أمن فندق غراند ميلينيوم البصرة