بعض القنوات الفضائية تمارس العادة العلنية في تعاملها مع الأحداث والقضايا المهمة، او تلك التي لها مساس بمزاج جهة سياسية او حكومة.
قبل عام. وفي الصيف الماضي كنت ضيفاً على قناة فضائية ممولة من حكومة أجنبية، وتحدثت بصراحة وعلى الطريقة الأميركية، على اعتبار ان الحكومة الاميركية ترعى الديمقراطية كما يرعى رجال الكاوبوي ابقارهم في السهول الشرقية للولايات المتحدة، وقلت لمقدمة البرنامج الحلوة جداً والحديثة العهد في التقديم: ان الرئيس الفلاني يخطط لإيذاء الدولة العراقية الحديثة من خلال تكريس مفاهيم سياسية جديدة تدعوا الى تقسيم البلاد على أسس عرقية ومذهبية.
فوجئت في الحلقة التالية بوجه الزميل جهاد زاير وقد تكرر على مدى جُمعتين دون ان يظهر وجهي، وقلت لنفسي وبراءة الاطفال تخايلني: ان وجه جهاد زاير اكثر نعومة وبياضاً، وانا (محافظات) ووجهي أملح أجلح.
ولعل هذا هو سبب التقديم والتأخير.
وربما لأهمية حديث زاير فقد تقرر عرض الحلقة التي ضيفته لمرتين، ولهذا ألغيت أو أجلت حلقتي.
خرجت عن صمتي وخابرت أحد العاملين في تلك الفضائية وسألته ببراءة: عفية ليش مابثيتوا حلقتي؟
وأجاب: يا معوّد هاي انت إيش حاجي، انت مدمر الدنيا. عندها فهمت الحكاية. الحلقة صدر أمر بعدم بثها من العاصمة الفيدرالية.
في الثانية كلفتني أحدى الفضائيات بإجراء حوار مع سياسي كبير، وسجلت معه لساعة ونصف. وبقيت انتظر. أحد السياسيين المؤثرين رفض عرض الحلقة لأسباب سياسية تتعلق بالمزاج الخاص لسيادته.
في الثالثة قبل ايام كنت ضيفاً على برنامج حلو له صلة ببرج الميزان، علماً أني من أبناء برج الجوزاء، وحضرت وانا أجلس في الميزان وتحدثت عن جرائم إستهداف الصحفيين وحملّتُ بعض الجهات مسؤولية الاستهداف، واثناء بث الحلقة، لم يظهر وجهي ثم اتصل بي المُعد ليعتذر بسبب ان الرقابة نقلت لمدير القناة ان جنابي تعدّى الخطوط الحمر، ولذلك منع المدير بث الفقرة التي أجيب فيها عن ستة أسئلة خاصة بالموضوع.
وتعرض الزملاء لمساءلة وربما لتوبيخ.
عاشت الصحافة الحرة، والموت لعبيد الرقابة والممنوع الذين ارتضوا لأنفسهم ان يكونوا مع الكبت والمنع ارضاءاً لرغبات من نصبهَّم امراء في تنظيمات الاعلام المشوشة التي دَوَّخت متابعيها، وحتى العاملين فيها الذين اجبرتهم الظروف للعمل فيها..