لم يكن مزاجي جيدا اطلاقا في اليومين الماضيين، بعد تعرض الصحف البغدادية لأخطر وأول هجمة من نوعها.. هجمة لم تفكر بارتكابها أي قوة مسلحة أو غير مسلحة منذ عقد على أقل تقدير.
وإذ تبرأ "الجميع" من هذه الفعلة، ولم تجرؤ جهة على تبنيها رسميا، فستسجل ضد "مجهولين" على ما أعتقد، على غرار كثير من القضايا. وعلى الرغم من اعلان محاولات التحقيق والتقصي عن المتورطين فان التجارب علمتنا أن المحاولات ستحتفظ بصفتها ولن تصل حتى مرحلة الاشعار فضلا عن الاشهار.
وتبدو قصة المهاجمة المنظمة للصحف في أكثر من موقع ومن مجموعة متقاربة العدد والأوصاف من دون أن تردع؛ تبدو محيرة في بلد مجمل مستجداته محيرة وشائكة أيضا، فكيف تمكن العشرات من التنقل بين مقر صحيفة وآخر واقتحامه وحرقه وتدمير محتوياته والاعتداء على العاملين فيه من دون أن تصل معلومات استخبارية الى الجهات الأمنية؟ ولكن من قال إنها لم تصل؟ فأمام مقر احدى الصحف منزل لضابط كبير في جهاز أمني حساس!
ثم، لا رجاء، لأن أجهزة أمنية أخبرتها "العالم"، على سبيل المثال، بالقصة المثيرة وطالبتها بتأمين الحماية لمقرها فلم تستجب، وهذا يجعل من الأمل في تحركها ذاتيا أشبه بالقضية السالبة بانتفاء الموضوع، كما يقول المناطقة.. أي منطق.. أي مناطقة.. وأي مناطق يرتجى أن تحمى؟!
الصحفيون يواجهون اليوم خطر الاستهداف بصدور عارية، فلا أجهزة الحماية معنية بحمايتهم، ولا تمنحهم تخاويل بحماية أنفسهم.
أكثر ما أزعجني أن مسؤولا مدنيا "كبيرا جدا" كان "يتمضحك" حين أردنا الاستفسار منه عن طبيعة الهجوم المنظم وعن الاجراءات التي ستتخذ بشأنه.. ويبدو أن القضية لا تعدو أن تكون نكتة عند من يزعجهم "رسم عين" يتحدث عنها اليوم زميلي أحمد عبد الحسين، على بعد صورة حسناء فقط!
كنت أتمنى أن يخرج هذا "المتمضحك" من "جحره الأخضر" بلا ربطة عنقه، مع أنه يبدو دائما بلا عنق! ليهرع بفوج "حماية رئاسي"، ولدينا قصة مثيرة اليوم عن مثل هذه الأفواج، إلى المقرات الصحفية التي أستبيحت، ويجول على الأخرى ليشعرها بأنه رجل دولة.. هل قلت رجل دولة؟ إي رجال لدينا وأي دولة!
حين كنت في اسطنبول قبل أيام ضمن وفد عراقي، وفي مقدمته البروفسور طالب مراد الذي شرفنا اليوم بمادة جميلة تنشر في صفحة الرأي، للمشاركة في اجتماع دولي عن "السلام الأزرق" وأزمة المياه في الشرق الأوسط، كان الأتراك يعتذرون عن عدم حضور "أردوغان" لانشغاله بزيارة قرية في أقاصي تركيا كانت تحيي في ذلك اليوم ذكرى معركة تاريخية وقعت قبل نحو قرن!!
القادة الأفذاذ لدينا أخذوا يزورون مقار الصحف المنتهكة بعد يومين على دهمها، وربما سيزورونها بعد عام في الذكرى السنوية الأولى!
القادة الأفذاذ إن كانت الصحافة ترهقكم وتحرجكم فأرجو ألا تزعجوا أنفسكم كثيرا.. ففي بلد تنتهك ديموقراطيته كل يوم لا حاجة للصحافة التي تسبب الصداع!
المصدر صحيفة العالم