استطاعت وسائل الإعلام في الأعوام الأخيرة ان تتخطى حاجز الخوف وأن تكسر جدار المنع الذي تمارسه الحكومات في احتكارها للمعلومة، وإتاحتها أمام المواطنين، حيث يستطيع كل إنسان أن يمتلك جهاز الكومبيوتر وأن يحصل على المعلومة التي تتوافر على الإنترنت، وهنا يأتي دور وسائل الإعلام والصحافيين والجمهور في الحصول على المعلومة ونشرها، فعملية النشر لم تحتاج الى مبالغ كبير. ولم يعد باستطاعة أحد ما أن يمنع وصول تلك المعلومة الى المواطنين.
ونجد أن أول من طرح ودعا الى صحافة المواطن في العام 2003 هو الكاتب "دان غيلمور" في كتابه نحن وسائل الإعلام: الصحافة الشعبية من الشعب والى الشعب.
وقد أثار ذلك الطرح جدلا واسعاً بين أوساط الصحافيين عما اذا كان من الممكن إطلاق صفة الصحافي على الأفراد الذين لايمتهنون الصحافة؛ وبالتالي يتحتم علينا أن ندخل بتفاصيل الصحافة من أخلاقيات ومبادىء وإلى أي حد ممكن للمواطنين أن يلتزموا بموازين الصحافة دون الخنوع للمؤثرات السياسية والشخصية.
وفي تجربة أعتبرت الأقوى في مظمار صحافة المواطن، عندما كان المواطن Abraham Zapruder في مدينة دلاس صور موكب الرئيس الأمريكي جورج كندي وبعد أيام قليلة من اغتيال الرئيس كندي باع هذا المواطن الصور لمجلة Life 150 ألف دولار.
صحافة المواطن، تعبير درج على أسماعنا حديثا، وكان لهذا التعبير أن يبصر النور مع تطور الأحداث السياسية التي أصبحت جزء من حياة الناس، وتلعب المعلومة دور كبير في حياتهم مما تؤثر على حركاتهم وأفعالهم، وهذا ماشهدناه مؤخرا عندما لعبت قناة البي بي سي بموظفوها الأربع وأربعون من الإيرانيين المغتربين والذين يخاطبون جمهور إيراني يقدر نسبته من ستة إلى ثمانية ملايين نسمة، وفي ميزانية مالية للقناة بـ25 مليون دولار سنويا. وكيف غيرت القناة طريقة تفكيير الإيرانيين تجاه حكومتهم من خلال نقل الحدث عبر الصورة والتعليق والكتابة.
فضلا عن تسجيل موقع القناة المتوافر على الإنترنت نحو ثلاثة ملايين متصفح لصفحات الموقع خلال اليوم التالي للانتخابات. وعلى أثر ذلك وجهة إيران إتهامات للقناة بحجة بتأجيجها الاحتجاجات التي صاحبت الانتخابات.
وقد أعتبر محللون سياسيون إن قناة البس بي سي أصبحت التهديد الرئيس لإيران، وخصوصا لأن تاريخ بريطانيا الاستعماري لعب دور ديموغرافي رسمي في إيران.
وقد وصف رئيس وكالة أنباء فارس شبه الرسمية "حامد رضا موقدمفار"، بأن البي بي سي قامت بحرب نفسية من خلال البرامج التي بثتها، وإنها نشرت الإشاعات والأكاذيب وشوهت الحقائق.
أما صحيفة صحيفة "فاتان إمروز" الموالية للرئيس أحمدي نجاد قالت أن مراسل بي بي سي في طهران جون ليان الذي طُرد من إيران يوم 21/6 استأجر سفّاحا لقتل المرأة الشابة ندا أغا سلطان.
في وقت أوحت البي بي سي للمتظاهرين بالنزول إلى الشوارع وهم يحملون أسلحة خفيفة. وهذا ما قاله التلفزيون التابع للدولة الإيرانية.
ولو راجعنا تجربة أخرى ففي العراق مثلا نجد أن المعلومة تتوافر بشكل كبير على صفحات الصحف، ففي بغداد وحدها يبلغ عدد الصحف الصادرة أكثر من 190 صحيفة، وباستطاعة الكثير من المواطنين أن ينشروا بهذه الصحف التي بدأت تستقبل حديثاً تعليقات وردود القراء.
أما المدونون فأصبحوا كثر، فهناك المواقع المجانية التي ينشأها هواة الإنترنت، وهناك الفيس بوك، واليو تيوب، وغيرها من المواقع التي تمنح المواطنين فرصة للتعبير عن آرائهم.
وخلاصة القول لم تصبح المعلومة حكراً على فرد دون آخر، ولم تكن هناك جهة رقابية تسيطر على منع نشر تلك المعلومة، وهذا يعود لوعي المواطنين بأهمية المعلومة، والعمل على نشرها بين أوساط المواطنين. وهذا مايجنب المواطنين الاحتكاك بالحكومات التي تحاول منع نشر المعلومة عنهم، في حين نجد عملية بناء الثقة والولاء ستقوم على أسس جديدة ومختلفة يضع في ذهن المواطنين أن الحكومات لم تعد مصدرا وحيدا للمعلومة.
a_alialtalkani@yahoo.com