يضطلع الإعلام بدور أساسي في بناء الثقافة العامة للمواطنين على مستوى العالم, الأمر الذي يدعو إلى تأكيد مهمته المعاصرة في إعادة بناء القيم المساندة للتطوير والتحديث في المجتمعات المختلفة, كقيم المساواة والقبول بالآخر, وكذلك الاختلاف معه, وبدأ – على صعيد أثره في تلك المجتمعات - يتصدى لوظيفة كبرى, غير تلك الوظائف التقليدية له في الإخبار والإرشاد والتعليم والترفيه... ومن في حكمها.
إذ يقف متخصصون في الإعلام الدولي, على مسافة واحدة في الحقيقة التي تفيد بأنه يقوم بـ (وظيفة حضارية), نظرا للدور الكبير الذي يقوم به في عمليات التطور الحضاري.. وكان من نتاج تطور وسائله: إن يقف خلف جميع المتغيرات التي اتسم بها المجتمع السياسي المعاصر, وكان آخرها التحولات الديمقراطية التي اقتحمت المنطقة وما تبعها من مشاريع تندرج ضمن تطبيقات الديمقراطية, ومنها الإصلاح السياسي, الذي يُروج لها على المستوى العربي بأجمله, كونه اشتمل على معظم الممارسات الديمقراطية التي تطرحها بقوة اليوم الأدبيات السياسية العالمية الحديثة.
في مقابل التحدي
لقد جوبهت الطروحات النظرية المتعلقة بالممارسات الديمقراطية, التي أسس لمعظمها في الغرب, بتحديات وانتقادات كبيرة في حال بدء الأخذ بها على ارض الواقع في مجتمعات غير تلك التي انطلقت منها, وفي رأسها مجتمعاتنا العربية.. لدوافع سياسية واجتماعية وحتى دينية, إلا أن بحثا في حلول الوسط بين النظرية والتطبيق لتلك التحولات, مع الأخذ بأنموذج محدد للدرس والمقاربة, يستدعي منا – أولا - وضع تحديد للمفاهيم المرتبطة بمتغيرات الحالة معرض النقاش.
يُنظر إلى ( التحول الديمقراطي ) ضمن النطاق السياسي على انه: التحول إلى حالة سياسية ايجابية, تتجسد مقوماتها في التداول في التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات ومراقبة سلوك الحكام والتعددية السياسية, وهي بمثابة مرحلة الوسط بين نظامين, سلطوي وآخر ديمقراطي, ويمكن أن يحدث ( التحول الديمقراطي ) في أي نظام سياسي, نتيجة إدراك القيادة السياسية فيه بأهمية إحداث الإصلاح السياسي, أو نتيجة التوصل إلى صيغة توافقية بين النخب السياسية والاجتماعية حول إجراء خطوات إصلاحية, ويمكن أن يحدث ( الإصلاح ) و ( التحول ) نتيجة تآكل النظام السلطوي نفسه, مما يحفز المجتمع للضغط من اجل إحداث ( تحول ديمقراطي ).. ومن هنا يمكننا القول إن: ( الإصلاح السياسي ), يعني مرور النظام السياسي بعمليات تغيير واسعة النطاق, تتناول بنية النظام التسلطي, بحيث يكون التحول الديمقراطي, احد أوجه الإصلاح الشامل, وهو ما دعانا للأخذ بهذا النمط الإصلاحي أنموذجا لاستيعابه لأغلب التطبيقات الديمقراطية, التي يهدف لها أي تحول في العالم.
إن وجود دوافع داخلية وأخرى خارجية خلف دعوات ومطالب الإصلاح السياسي, الذي انطلق بشكل مكثف ومخطط له, بعد جملة المتغيرات السياسية والعسكرية والاقتصادية المتسارعة التي شهدتها المنطقة في أعقاب 2003, وروجت له وسائل الإعلام الغربية, في البلدان العربية ( إذ أن بدايات الطرح الحقيقي الأولى لمصطلح "الإصلاح" على المستوى السياسي الداخلي, في البلدان العربية يرجعها باحثون سياسيون إلى حقبة ما بين الحربين العالميتين) قد اوجد إشكالية جديدة حلت على ارض الواقع, عكست آثارها في مدى تفاعل الشعوب والنخب العربية للدعوات والمطالب الإصلاحية مع حكوماتها, وحدد بالنتيجة – ابتداءً - مسار الاستجابة منها, بوصفه (ثقافة) وافدة, يجب تجد من حيث المبدأ من يعارضها أو يؤيدها.
ولان الإعلام كان هو أول من روج – أساسا – لمفهوم ( الإصلاح السياسي ) الجديد في المنطقة, وبوصفه القائم بالدور الأساسي والفاعل في عمليات بناء الثقافة المعاصرة لجموع المتلقين, فإننا نجد بأن مهمة إيجاد ( حلول الوسط ), ضمن الإطار الديمقراطي, ما بين مطالب الداخل والخارج في الإصلاح, وما بين تقاطع الرؤى والأفكار في آليات الإصلاح و حقيقة موجباته في هذه المرحلة بالذات, يمكن لها أن تبدأ عبر أدواته وقنواته, على وفق معايير الموضوعية والحريات الإعلامية المسؤولة البناءة للمجتمعات الحديثة.
مضامين إصلاحية
لقد أفصحت مطالب الإصلاح التي بدأت تواجه معظم الدول العربية في غضون السنوات الأخيرة عن نفسها من خلال تظاهرات واعتصامات أو مطالب سياسية وشعبية, وعن طريق وسائل الإعلام.. وطرحت أفكار ورؤى عن الواقع العربي ومدى حاجاته الفعلية للإصلاح, عبر مقالات ودراسات وأبحاث قدمتها النخب العربية في مناسبات متعددة, سبقت المطالب الأمريكية والأوربية للإصلاح, التي حُددت مكامن قوتها من منطلق مفاده: ( إن الأوضاع في هذه المنطقة, باتت على مستوى عال من التراجع, خاصة بعد تزايد موجة العمليات الإرهابية, وتدني مستويات الحريات ), ففضلا عن مشاريع الإصلاح الصريحة التي طرحها الغرب بعد 2003 من خلال ما أطلق عليها بـ ( المبادرات ), أصبح الخطاب الغربي الموجه للدول العربية بشكل عام, وبعد أن عملنا على تحليل أكثر من عينة منه في مناسبات بحثية متعددة, يحمل مضامين تنادي بهذا الإصلاح عبر محاور مختلفة جسد كل منها موضوعا أو نمطا إصلاحيا بعينه, يمكن أن نحدد بعضا منها بـ:
§ إصلاح سياسي: يكون عبر تكرار عبارات: (إصلاح أو تغيير النظم السياسية في المنطقة, وإطلاق مناخ الحريات, وتعزيز المشاركة الشعبية, والتعددية السياسية, وإطلاق الأساليب الديمقراطية في الحكم), التي يمكن لنا أن نعدها من ابرز قضايا الإصلاح السياسي المطروحة في الساحة العربية اليوم.
§ إصلاح اقتصادي: من خلال الدعوة إلى إصلاح البنى الاقتصادية وفتح الأسواق وتعزيز دور القطاع الخاص وتقليص هيمنة الدولة على الاقتصاد.
§ إصلاح تشريعي وإداري: بالمطالبة بإصلاح البنية التشريعية وتفعيل دور المؤسسات على وفق القانون.
§ إصلاح تربوي وتعليمي: يكون في تحديث مناهج التعليم وأساليب إدارة العلمية والتربوية.
إن طرح تلك المطالب في هذه المرحلة بالذات عززت من الدعوات المنطلقة من الداخل العربي, وجانبتها في عدد من الحالات, على الرغم من اختلاف رؤى البعض من الطرفين في طرق الإصلاح ومناهجه ومراحله وتوقيتاته.. حتى أنها بعضا منها كان نتاج نسق مشترك بين المطلبين الخارجي والداخلي للإصلاح, فيما كان البعض الآخر بمثابة رد فعل داخلي مضاد من قبل النخب والكتل السياسية والحزبية العربية, بغض النظر عن موقفها من النظم السياسية الحاكمة, للأفكار الغربية في الإصلاح والياته وفي نهج الوصول إليه, الأمر الذي بدأت بموجبه تشكل عمليات الإصلاح اهتماما واسعا ومتزايدا لدى النظم السياسية العربية الحاكمة أنفسها, من خلال خطابات أو برامج أو قرارات, وقد اشر هذا الاهتمام - بحد ذاته - إقرارا رسميا بوجود الكثير من نقاط الضعف, ولا سيما في انعكاس الأداء الحكومي على مختلف أصعدته على المجتمعات العربية, وهو ما يؤشر الحاجة المبدئية إلى الإصلاح.
ووفقا لذلك.. سارت دعوات ومطالب ( الإصلاح السياسي ) الداخلية في البلدان العربية – نظريا - ضمن أشكال وبرامج وأساليب مختلفة, اشتركت في هدفها الرئيس المعلن هو توسيع الممارسات الديمقراطية للشعوب العربية, وهي بموجب ذلك:
§ مطالب جماهيرية ممثلة بالمجتمع المدني, ووسائل الإعلام, تكون – في الغالب – استجابة للاحتياجات الوطنية العامة في تعزيز البنية السياسية والاقتصادية عبر تحقيق مشاركة أوسع, لفئات وشرائح المجتمع العربي في الممارسات الديمقراطية, وبعمليات اتخاذ القرار, وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
§ يطرح الحكام (الإصلاح) من اجل إعادة إنتاج النظام السياسي الحاكم نفسه, أو استجابة لضغوطات خارجية, أو ضمن إطار العولمة السياسية.
فيما كانت مطالب الإصلاح الخارجية الصريحة التي واجهت المنطقة العربية من خلال دعوات أمريكية مباشرة, تركز على إقامة توافق بين البلدان العربية ومجتمعاتها, مع المصالح والسياسات الأمريكية في المنطقة, وعلاقات بلدانها مع الولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة, ولاسيما في الجانب الاقتصادي, فضلا عن دعوات إصلاح أوربية, قدمت على شكل مبادرات, ركزت على قيام شراكة أوربية – عربية هدفها نشر الفكر الليبرالي في المنطقة, وتوسيع النفوذ الفكري والاقتصادي للسوق الأوربية المشتركة.
و ما بين مطالب الداخل والخارج في الإصلاح, عزز من الإشكالية التي واجهته على ارض الواقع في البلدان العربية, انقسام الرؤى في مفهوم ووظائف العملية الديمقراطية وممارساتها بشكل عام في المجتمعات المختلفة الخاضعة لإيديولوجيات وعقائد متباينة , وفي عمليتي المقاربة والمقارنة لإطاري الديمقراطية النظري والتطبيقي, بوقت يستمر فيه الجدل القائم بشان أهمية عامل التدخل الخارجي من عدمه, في هذه العملية, ويزيد من حدة هذا الجدل اليوم النزول تحت وطأة ما عرف بـ(العولمة السياسية).
تلك (العولمة) التي تشير في إحدى معانيها إلى: بلوغ البشرية مرحلة الانتقال الحر للقرارات والتشريعات والسياسات والتفاعلات عبر المجتمعات والدول, وبأقل قدر من القيود والضوابط.... وزيادة غير مسبوقة في روابط الدول على نسق الزيادة غير المسبوقة في الروابط الاقتصادية واقتصاديات العالم.... وبروز المجال السياسي العالمي, الذي اخذ يحل تدريجيا محل المجال السياسي المحلي أو الوطني.... ويعني ذلك بروز مجموعة من القوى السياسية الجديدة التي أخذت تنافس الدول في سيادتها المطلقة, مثل الاتحاد الأوربي والسوق الأوربية المشتركة.... وبروز المنظمات التجارية والاقتصادية والمالية العالمية, التي بدأت تلغي تدريجيا – أيضا – مفهوم السيادة المطلقة.... وهو يعني كذلك بان الاتجاه العام يسير نحو أن تأخذ القوى الجديدة في منافسة "الدولة" في مجال تحكمها التقليدي.
وفي معرض بحثنا في حجج الرفض ومبررات القبول لهذا ( التدخل ), كان مؤيدو دعوات الخارج للإصلاح بأهمية تأثير العنصر الخارجي في الوضع السياسي في الدول العربية, يتمسكون بمواقفهم من منطلقات كان من بينها: (( انخفاض المؤسسية السياسية, وعدم الاستقرار السياسي, ونوعية العلاقات الاقتصادية مع العالم الخارجي, والتي تتسم بشبه اعتماد مطلق على الخارج )), فيما يشكك رافضو العامل الخارجي للإصلاح, خاصة اؤلئك ممن وجدوا: (( إن أي تطور في الفكر على حساب الواقع – وهذا يتحقق عندما تتم عملية استيراد أو تصدير الفكر من واقع إلى آخر ومحاولة غرسه في تربة غير تربته – سيؤدي بالضرورة إلى فقدان التوازن بين هذا الفكر المستورد والواقع, وان تطبيق هذا الفكر سينتج قوة مدمرة ومشوهة للواقع , بدلا من تطويره ودفعه باتجاه التقدم )).
وتشير الباحثة العربية في شؤون الإصلاح ثناء فؤاد عبد الله (مصر) في بحثها ( الإصلاح السياسي – خبرا عربية ): إن التمهيد الغربي للإصلاح السياسي وما أعقبه من طرح لمشروعات دولية مختلفة, اوجد إشكالية في مدى التداخل ما بين الديناميات الداخلية لعمليات الإصلاح السياسي, والمؤثرات الخارجية الدافعة للتغيير, وجعل من الصعوبة وضع آلية واحدة للإصلاح السياسي, تخضع لها جميع المجتمعات, ((حيث تأخذ كل حالة طابعا إيديولوجيا يرتبط بطبيعة كل مجتمع, وتركيبه اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا, إلا انه يمكنه القول: إن هناك ملامح عامة للمؤسسات والأدوار والأبنية والسلوكيات والتفاعلات والقيم, التي يمكن أن تنتج حالة ديمقراطية)), وهو ما نرى انه يمكن التأسيس عليه لتحقيق فهم متوازن للإصلاح, يرتبط ارتباطا وثيقا بنشر ثقافة سياسية ديمقراطية, تحقق المعادلة الصعبة المتمثلة بمتغيرين:
أ- دعم الثقة السياسية بين المواطن العربي ونظامه السياسي.
ب- حق المواطن العربي في نقد السلطة, وضمان ممارساته الديمقراطية.
توصيات معطلة واقعيا
وفي ظل تلك التقاطعات وما خلفته من جدليات, ناقشت مؤتمرات وندوات عربية متعددة مشكلة (الإصلاح السياسي) وبحثت في ماهيته والياته وترتيب أولوياته وتحديد المطلوب إصلاحه، ومن سيقوم به – أفراد أم مؤسسات, أم فئات وطبقات بعينها من المجتمع, وهل انه يبدأ من القمة أو من القاعدة, وهل الإصلاح السياسي يأتي أولا, أم يمكن لبقية أنماط الإصلاح أن تسبقه.. ودور موضوع البحث العلمي منه وكونه جزءً من المشكلة وجزءً من الحل في آن واحد, والحاجة إلى الاهتمام بالإنفاق على جانب البحث العلمي والأكاديمي.
وأجمعت تلك المناقشات على إن: (الحدود المنتهكة، ومشكلات التنمية، وغياب الاقتصاد القوي الذي يمكن الاعتماد عليه، وعدم الاستقرار في السياسات المختلفة والتوتر السياسي وغياب المشاركة السياسية) أن ينتج عنه – في العادة - واقع بحاجة فعلية إلى إصلاح, وأن إحدى المشكلات الأساسية فيه تكمن في جدلية حدود مفهومي التقدم والتخلف, وأثرهما في المجتمعات السياسية, ولم تتمكن اغلب تلك الندوات إلا من التوصية بانتهاج سبل, علها تفضي عن إصلاح سياسي في مستقبل مازال في معظم البلدان غير منظور, ومن هذه التوصيات: العمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان في دول العربية, والدأب في مطالبة الحكومات بالموافقة على تفعيل مؤسسات حقوق الإنسان لكافة نشاطاتها ومهامها دون أن تتعثر من جراء الإجراءات المانعة من قبل الحكومات العربية... وضرورة أن تعمل مؤسسات ومنظمات حقوق الإنسان على تدريب الكوادر الحقوقية لتتسع إمكانية تواجدها على مستوى فئات المجتمعات العربية كافة.
ومن التوصيات الأخرى, أن تعمل هذه المؤسسات على أحياء النقاش على المستوى الإعلامي والصحافي, وفي جميع الوسائل المتاحة مرشدة, مع التأكيد على إعادة النظر في ضرورة مراجعة النظم التعليمية والثقافية وإصلاح حقوق الإنسان وإضافة مادة حقوق الإنسان في المدارس والجامعات... وضرورة أن تقوم هذه المؤسسات والمنظمات الحقوقية بالدفاع عن حقوق المرأة في العمل العام وبضرورة أن يكون للمرأة دورها الفاعل في عملية الإصلاح السياسي والديمقراطية في هذه الدول... والمطالبة بإنشاء شبكة تضامنية في العالم العربي تكون مهمتها ممارسة الضغوط على الحكومات من ضغوط إعلامية وقانونية وتظاهرات سلمية في حالة قيام أي حكومة باعتقالات في صفوف نشطاء سياسيين أو حقوقيين أو أصحاب رأي... والاهتمام ودعم تفعيل دور المجالس المحلية والشعبية ومؤسسات المجتمع المدني في قضية الإصلاح السياسي... فضلا عن التوصية بالاهتمام والشروع بعمل دورات تدريبية لنشطاء حقوق الإنسان في كيفية تفعيل دور المحكمة الجنائية الدولية وفهم آلية اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية وكذلك آلية رفع الدعوة للتظلم من أية إجراءات تعسفية أو استثنائية وغير قانونية تصدر من قبل السلطات الحاكمة أو الحكومات العربية من قهر أو استلاب لحرية المواطن العربي في أي دولة عربية.
حدود ممكنة في الإصلاح
إن القول بان المجتمعات العربية تمتلك من النضج والخبرة التاريخية, ما يجعلها قادرة على الإسهام في تشكيل الحضارة الإنسانية وتنظيم أمورها وإصلاح أوضاعها الداخلية لا يلغي ضرورة الانفتاح على العالم المعاصر, وتجاربه الإصلاحية والتفاعل معها, وهذا ما يتطلب بلورة مشروع شامل للإصلاح, يسمح بالتعامل مع أوضاع كل بلد عربي, وينتظم في نسق عام يحدد القواسم العربية المشتركة, بما يتيح الفرصة لكل المجتمع العربي كي يدفع خطوات الإصلاح الخاصة به إلى أمام, ويزيد من التواجد العربي على الساحة الدولية, ويبعده عن التقوقع والتمحور على الذات, ويرسخ لإطار تعاون إقليمي يجعل من الدولة العربية أكثر ايجابية وفاعلية وتأثيرا على الصعيد الدولي.
وهو ما يوفر أهمية حدوث تحول وتقدم وتغير في الدول العربي على المستوى التكنولوجي والتعليمي، والإصلاح السياسي، والإصلاح الاجتماعي، والانفتاح على العالم، وعلى مستوى التحول من عقلية الانغلاق على الذات, إلى مستوى الانفتاح على مستوى العالم، وتقبل التعاطي مع الآخرين. وأن تلك (التحولات) لا بد من أخذها بعين الاعتبار لنتمكن من بناء نظرية الإصلاح المعقولة والواقعية والعملية، ونجد إن الإعلام هو خير أداة للشروع بذلك التحول والتوعية بالأسس الديمقراطية.
ولكون المنظومات الإعلامية تشكل في كل مجتمع كيانا, يكون تنوعه استجابة لتنوع الواقع الموضوعي للمجتمع, وتنوع الحاجات الإعلامية فيه, والأهداف والوظائف المطلوب تحقيقها في المجالات المختلفة, وفي الأوقات والأمكنة والأساليب المختلفة, تعد مسالة حريات الإعلام دعامة قوية من دعامات أي إصلاح سياسي, بل وقضيه مهمة من قضاياه, إذ انه يمكن – أيضا – أن يتعامل مع إحدى ابرز التحديات التي تواجه التغيير الاجتماعي, الناجم عن إجراء عمليات ( الإصلاح السياسي ), وزيادة المشاركة الشعبية في الأنشطة العامة, والمتمثل بما يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة حدة الصراعات الاجتماعية بسبب ضعف قيم المجتمع التقليدي, وتآكلها تحت وطأة زيادة معدلات التعلم والتحضر, وهو ما يؤدي إلى وجود قيم جديدة, تحل محلها.. وفي أثناء عملية التغيير, فان تغيير الولاء السياسي إلى الولاء الوطني, لن يكون مهمة سهلة, إذ إن البنى السياسية التقليدية تظل مؤثرة في أنماط السلوك لمدة طويلة, كونها عميقة الجذور في المجتمع, وعندها يبرز دور الإعلام.
وفي سياق اثر الإعلام في الممارسات السياسية, تقول الدكتورة حميدة سميسم في مؤلفها ( نظرية الرأي العام ): إن التطور التكنولوجي وقف خلف جميع المتغيرات التي اتسم بها المجتمع السياسي المعاصر... وأضحى ( المتغير التكنولوجي ) احد أبعاد الوجود الدولي, سواء في موضع الوحدات السياسية من طبقات الدول, وبالتالي وزنها الحقيقي في تسيير العلاقات الدولية, أو في كونه احد عناصر الحياة والنشاط الدولي... ولقد أدى هذا التطور بأبعاده الاجتماعية إلى انهيار الحواجز والى التقارب بين الشعوب, وخلق ظاهرة ( المجتمع الجماهيري ), كما أسهم التطور التكنولوجي المرتبط بالتقدم الدولي الثابت والمطرد في أدوات الاتصال الدولي بمختلف مستوياتها, فجعلها ترفض أن تتقيد بالحدود القومية وتأبى الاعتراف بالحدود السياسية بين الشعوب... وصارت الممارسات السياسية بحاجة غير ممكن التغاضي عنها إلى الإعلام لإيضاح خيارات النظم السياسية, مثلما الجمهور بحاجة – هو الآخر – للإعلام للإبلاغ عن ردود أفعاله إزاء تلك الخيارات.
إن الدور المنتظر من الإعلام العربي على بناء القيم المساندة للتطوير التي تساعد المجتمعات والأفراد في تحقيق الإصلاح السياسي وصولا إلى تحول ديمقراطي واسع, يجب أن يمهد له خطوات فاعلة لرفع مختلف آثار وأشكال الهيمنة الحكومية - المباشرة و غير المباشرة- عن وسائله, وضمان حريات ممارسة الإعلاميين لمهامهم دون تدخل السلطة, لما في ذلك من أهمية في دعم النظام الديمقراطي, والتجسيد الواضح لحرية التعبير, بوصفها الدعامة القوية للشفافية, عبر إصلاح التشريعات الإعلامية ذاتها, التي تتولى تنظيم وممارسة النشاط الإعلامي, وتضع المعايير التي تحكمه, وفي حينها تكون مسؤولية إيجاد ( حلول الوسط ) في جميع الإشكاليات التي واجهت طروحات ومشاريع الإصلاح السياسي ممكنة عبر وضع برامج واستراتيجيات إعلامية, يكون للنخب الأكاديمية والإعلامية والسياسية والثقافية دورا رائدا فيه.
المصادر:
§ احمد زكي يماني وآخرون, الوطن العربي بين قرنين – دروس من القرن العشرين وأفكار للقرن الحادي والعشرين, من بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمتها وحدة الدراسات بدار الخليج للصحافة والطباعة والنشر ومركز دراسات الوحدة العربية,بيروت, 2000.
§ توبي دوج, اختراع العراق, ترجمة: عادل العامل, بيت الحكمة, بغداد, 2009.
§ ثناء فؤاد عبد الله, الإصلاح السياسي – خبرات عربية, المجلة العربية للعلوم السياسية, مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت, العدد (12), 2006.
§ د. ستار الدليمي, تجربة الإصلاح السياسي في الوطن العربي, الملف السياسي, مركز الدراسات الدولية, جامعة بغداد, 2005, العدد ( 9 ).
§ صفد حسام الساموك, كيف أوجدت وكالات الأنباء الوطنية واجهات ورقية للحكومات العربية, ألواح بابلية, رابطة الكتاب والفنانين العراقيين في هولندا, ( www.babil.)
§ عدنان عويد, الديمقراطية بين الفكر والممارسة- الوطن العربي أنموذجا, دمشق, دار التكوين للطباعة والنشر والتوزيع, 2006.
§ د. منى حسين عبيد, تجربة الإصلاح السياسي وحركة الإصلاح السياسي في السودان, مجلة العلوم السياسية, م.س.ذ, العدد (33).