حين أنهيت كتابة عمودي (800000 بطانية) أعطيته إلى زملائي ليقرأوه، نصحني أغلبهم بعدم نشره، حفظته في كومبيوتري المحمول، ودفعت الصفحات للنشر كالعادة ، مؤجلاً العمود ليوم غدٍ ريثما أمعن التفكير فيه، وخلال يوم كامل اكتشفت اني لم أكنْ أفكر في نشر العمود أم لا، بل في كيفية تصرّفي بعد نشره، كانت فكرة نشري له محسومة، صباح اليوم التالي أخبرت الزملاء اني سأضطر لأخذ إجازة لمدة أسبوع، فالعمود لن يمرّ بسلام.
وقتها كان مرّ على جريمة الزوية ثلاثة أيام، وكنت معذباً بهاجس أن صحفنا جميعاً لم يظهر فيها مقال رأي واحد يتحدث عن الفاجعة، تطنيش عامّ من شأنه استفزاز كلّ ضمير مثقل بالواجب والشعور بالمسؤولية عما يجري.
كتبتُ مراراً عن هذا المرض السخيف: أننا نترك مشاكلنا المستعصية للسياسيّ (وهو أجهل خلق الله طراً) يناقشها ويحللها ينفخ فيها أو يستثمرها لمناكفة أعدائه أو يجعلها سلاحاً في حربه مع أقرانه على المسكوكات المادية أو الرمزية، يفعل ذلك في كلّ مرّة فيزيد الأمور سوءاً، وربما تكون هذه الاستراتيجية الغبية هي أساس ما نحن فيه من بلاهة سياسيّة ودينية وثقافية أضحكتْ علينا الأقارب والأباعد.
المثقف العراقيّ شجاع لكنه كسول، لم يتعلم المبادرة، يختزن في جعبته آلاف ردود الأفعال المقنعة والذكية لكنه لا يحسن أن يأتي بفعل أصيل واحد، تركنا للسياسيّ أن يشرح لنا الزلزال ويفسره على هواه، ثم حين ظهر أن ما كنا نظنه رجل سياسة كان وحشاً نصفه سياسة ونصفه الآخر قداسة، وحش سميته في مقال سابق لي (السياسطائفيّ) لأني لم أجد تسمية أنسب له منها، أشعل هذا السياسطائفي حرباً أهلية قذرة كان قد أتقن بروفاتها في المنفى حين كان في المعارضة، إذ ان أحزابنا المنفية سابقاً كانت تختزن في طياتها دمامل الكراهية وخراجات الدسائس والمكائد وصنوف ألاعيب التغالب، وكان تأريخ التاسع من نيسان مناسبة لانفجار هذه الدمامل وسيلان القيح والصديد. ولا يكلمني أحد عن النضال والشهداء، عشت مع المعارضة وفي صفوفها بما يكفي ليجعلني أعي كيف يبكي السياسيّ بعينٍ على الشهيد ويغمز بالعين الأخرى لقاتله، أشعل هذا السياسطائفيّ حرباً أهلية كلما خبت نارها زادها سعيراً بتصريح هنا أو تفجير هناك، خطف هنا أو اغتيال هناك، ووقف المثقف مصدوماً يستمع ببلاهة للسياسطائفيّ يفسّر له حرباً أشعلها هو وأدام أوارها، كان يجب أن ندرك ذلك، أحزاب أتت إلى السلطة بروح الميليشيا، العنف لبّها وجوهرها، وقادة يباشرون السياسة بروح الثأر، ماذا يمكن أن ننتظر منهم سوى الخراب؟
نحن شعبٌ نسّاء، ننسى سريعاً الكارثة التي مرقت من أمام أنوفنا بانتظار كارثة أخرى ستأتي لننساها، هذه فضيحتنا التي نتستر عليها، ومن تابع مقالاتي وأعمدتي في الصباح يدرك ان هذه الفكرة حاضرة في ما كلّ ما كتبت، أشير على سبيل المثال إلى مقالاتي (إلا النسيان)، (ملائكة النسيان)، (غفران)، (أقنعة الجغرافيا) وسواها كثير. وكنت، ولم ازل، أبتغي من وراء عملي تنشيط ذاكرة المثقف، الذي يشاع عنه (ياللسخف) انه ضمير شعبه، كتبت مرة انه ليس ضميراً بل تأنيب ضمير، وما لم يكن لكتابته فعل تأنيب الضمير هذا فالأجدى له أن يصمت.
كان عمودي، كما أغلب أعمدتي، احتجاج على الصمت والنسيان الذي يتقنه المثقفون، اردته كسراً لهذا التطنيش الذي يوحي بأن الأمور كلها على مايرام وليس في الإمكان خير مما كان، أردت القول اننا لسنا بخير، حين تُحرَق وزارة الصحة ونمرّ من أمامها يومياً ونحن نعرف لمَ أحرقتْ وكيف ولستر أية فضيحة، ونعرف ان من أحرقها يعرف بأننا نعرف ثم يسود في الأرجاء صمتٌ مطبق كصمت القبور فذلك يعني اننا لسنا بخير. وحين تستعرض ميلشيات المجاميع الخاصة بأسلحتها في مدينة الثورة ثم يظهر رئيس الحكومة متحدثاً عن استتباب الوضع الأمني والمثقف بين يديه هازاً رأسه علامة الموافقة فنحن لسنا بخير، بلدنا الأكثر فساداً مالياً وسياسياً وإدارياً في العالم كلّه، فلا ينبغي أن يكون هناك صمت. أقارن حالنا بحال الدول الأوربية بعد الحرب العالمية الأولى، هناك ما ان اكتشف المثقف قبح الوحش الذي يختزنه، هذا الوحش الذي ذهب ضحيته الملايين، لم يدفن رأسه في التراب كما فعلنا نحن ولم نزل، لم يتنصل من مسؤوليته، لم ينشغل بنصه أو لوحته عما يجري، كان لديه ذلك الوجدان المثقل بالواجب يدفعه لممارسات قد تبدو جنونية لكنها ردّ الفعل الطبيعيّ تجاه جنون الوحش الذي يسكنه، ليست الدادائية والسوريالية سوى استراتيجية احتجاج على الصمت، هدم متصل لكلّ ما أوصل الإنسان إلى هذا الحيوانية، وهو هدم لم يسلم منه الدين والأخلاق والعرف وأنماط العيش والكتابة، كلّ ما كان مقدمة للكارثة فهو باطل.
قلّة من مثقفينا الذين داخل العراق يتملكهم هذا الهاجس، وقد كانت مقاديري السعيدة قد جمعتني بزملاء هم صفوة هذه القلّة، أعني بهم محرري القسم الثقافيّ في الصباح التي أصبحت ـ بفضلهم ـ تمتلك السقف الأعلى في جرأة الكتابة وعمقها، وأزعم ان ثقافية الصباح وصفحات آراء والملحق الثقافيّ الأسبوعي أشاعتْ في الوسط الثقافيّ العراقيّ جرأة غير معهودة هي التي فتحت مغاليق كنوز كانت مختومة بالخوف أو التكاسل أو عدم القدرة على المبادرة، الفضل في ذلك يعود إلى ضمائر مثقفين حقيقيين صادقين تكتنفهم فكرة واحد: كسر صمت القبور، أسميهم بزهو وأشعر بالفخر اني عملت معهم: ماجد موجد، نصيف فلك، علي السومريّ، أحمد عبد السادة، ناظم العبيدي، صلاح السيلاويّ، زياد جسام، وكتاب أحرار كسعدون محسن ضمد وعمار السواد ووليد فرحان وأحمد حسين ومن قبلُ وبعدُ الزميل فلاح المشعل الذي منح القسم الثقافيّ في الصباح حريّة نفتش عنها في الصحف الأخرى فلا نجدها.
قد تصلح هذه المقدمة الطويلة لوصف ما كنت عليه وأنا أسمع وأقرأ الأخبار التي تتحدث ببرودة عن جريمة مصرف الزوية، وتصريح وزير الداخلية الذي نصه (ان العصابة تنتمي الى جهة سياسية)، ثم أنظر من حولي وأرى الصمت الألفيّ نفسه، سقط ثمانية قتلى مساكين، ونُهبت ثمانية مليارات دينار، على يد عصابة قال وزير الداخلية انها تنتمي لجهة سياسيّة ما، جهة انتخبناها وربما سننتخبها في الانتخابات المقبلة. شعور مرير بالخزي ظلّ يطاردني في كلّ لحظةٍ قبل أن أكتب العمود، وسؤال لم أستطع إخفاؤه فكنت أكرره على الزملاء: لم لا يكتبون؟ ثم أصبح: لم لا أكتب؟ وكتبت...
كنت أعرف حجم الخوف، الخوف الذي ساهمنا نحن في صنعه من خلال سكوتنا، الأحزاب العراقية (الإسلامية تحديداً) أشاعت جوّاً من الرعب، إذ لا أحد يجهل ان هذه الأحزاب هي في الأصل ميليشيات وُضع فوقها غطاء سياسيّ ربما لغرض التمويه لدخول هذه الحفلة التنكرية التي اسمها العملية السياسية، ومن يتصرف بروح الميليشيا يحرص على ان يكون اسم حزبه مسبوقاً ومتبوعاً بالرعب، هذه أحزاب كبرت ونمتْ برعب الآخرين منها، واستفحلت ونهبت المال والجاه والبيوت بسلطان الرعب، فالخوف وحده هو ما يجعلها مطمئنة إلى بقائها مع فشلها المتكرر في كلّ شيء تفعله. ولأني كنت أعرف حجم هذا الرعب ونوعه قررت أن لا أسمي أية جهة، اكتفيت بتصريح وزير الداخلية الذي لم يسمّ، فلم أسمِّ، لم أشر إلى جهة بعينها أو شخص باسمه، تحدثت بسخرية (لا أملك غيرها سلاحاً) عن مشهد رأيته بأم عيني: جهة سياسية (لا أعرف من هي صدقاً) كانت توزع بطانيات على الناخبين، وفكرت ان هذه الأموال المسروقة كان يمكن لها، لو أفلت اللصوص، أن تتحوّل إلى بطانيات.
هذا ما دار في بالي ساعة كتابتي المقال، ولم أدرِ (ولا يهمني أن أدري) ان هناك سياسطائفيين لا يدور في أذهانهم إلا تحويل دم الضحايا الثمانية إلى رصيد في رأسمالهم الرمزي لغلبة خصومهم، في فعل مشابه لسياسطائفي آخر ربما قتل الثمانية لحيازة رأسمال ماديّ.
مع ان العمود خلا من الأسماء، ومع اني لم يكن في نيتي الإشارة إلى جهة بعينها، لأني حقاً كنت مقتنعاً بمجهولية الجهة التي ينتمي اليها أفراد العصابة، بل لم أكن أعرف انهم ينتمون إلى جهة سياسية أصلاً لولا تصريح وزير الداخلية، مع ذلك كله فقد كنت خائفاً، أعرف هياج الإسلاميين إذا هاجوا، عشت معهم ردحاً طويلاً من الزمن، وأعرف ذكاءهم في ربط السياسة بالقداسة ربطاً يمكّنهم من تحطيم أمم بدم بارد فكيف بقتل شخص صحفيّ مسكين أعزل مجهول الأصل والحسب!. أعرف كذلك السيولة الأخلاقية التي يمكن بها أن يكيّفوا ذواتهم لتقبّل كلّ فعل مهما كان منافياً للأخلاق، لنتذكر ان من يسمون مجاهدين قاموا في العراق باغتصاب فتيات بحجة عملهنّ مع الأميركان، ولنتذكر اغتصاب الرجال الذي يحدث الآن في سجون إيران، لنتذكر تمويل طالبان لجهادها من تجارة الحشيشة، ومثلها حقول الحشيشة في جنوب لبنان والبقاع. كلّ شيء ممكن ما دمت محتكراً لاسم الله، ومادمت الوكيل الوحيد لبيع قطع غيار الدين والمذهب والأخلاق.
كنت خائفاً إذن، لكنّ خوفي من أن أتساوى بالصامتين كان أكبر، في الساعة الثالثة بعد الظهر كانت الصفحة مصممة وفي طريقها إلى الفرز، قررت نشر المقال، ذهبت وأبدلت العمود الرئيسي بعمودي. إبدال العمود سيتحدث عنه كثيرون باعتباره فعلاً منافياً للسياق المتبع في عمل الجريدة، وهو أمر غير صحيح، أنا سكرتير التحرير الثقافيّ في الصباح، ورئيس القسم الثقافيّ، قبل هذه الحادثة كنت قد قمت مراراً بتغيير مادة أو أكثر بعد تصميم الصفحة، لم تكن هذه بدعة ابتدعتها، فأنا المسؤول أخيراً عما ينشر في الصفحة الثقافية وصفحات آراء، ولا أحد ـ سوى رئيس التحرير ـ يقرأ الصفحة من بعدي ليجيزها (هناك أمر إداريّ ينصّ على ذلك)، قد تتغيّر هذه الآلية الآن، لكنها هي الآلية التي كانت متبعة حتى يوم نشري العمود، ومن المعيب أن يتكرر (اتهامي) بتغيير العمود في (اللحظات الأخيرة) من قبل زملاء يعرفون ان تغييري للصفحة ممكن الحدوث كلّ يوم.
خلاصة القول: أنا المسؤول الوحيد عن نشر هذا العمود، بما ان الزميل رئيس التحرير كان مجازاً، ليس هناك أحد يتحمل تبعات نشر العمود سواي، قد أكون أخطأت في عدم إرساله لرئيس التحرير بالايميل مثلاً، لم يحدث أن فعلتُ هذا من قبلُ، لكنّ جرأة هذا العمود وتوقيته استثنائيان، فربما كان يتوجب عليّ أن أرسله للزميل رئيس التحرير، إذا كان لي من خطأ فهو هذا ولا شيء آخر سواه. وإذا كان لي أن أعتذر فأنا أعتذر للزميل رئيس التحرير لأني أوقعته في إحراج هو في غنى عنه.
أتيت في اليوم التالي لنشري العمود لأرتب أمور إجازتي، فوجئتُ ان العمود رفع من الموقع الإلكتروني للجريدة، وفي قاعة هيئة التحرير وجوم ينذر بوجود كارثة، قال لي زملاء ان مسؤولي أحزاب اتصلوا، وان رئيس الشبكة سيأتي لمبنى الجريدة الآن، مجلس الأمناء غاضب، والزميل رئيس التحرير أيضاً. لم أتحدث بعدها عن الإجازة، لأني شعرت ان اجازتي ستأتي تلقائياً وستكون طويلة وربما أبدية!، ولم أكنْ غاضباً أو حزيناً، كان ذلك الاستسلام المريح، استسلام من قال كلمته وابتسم أمام الموت. ليس في الأمر شجاعة أو بطولة، بل رغبة عميقة في أن أمضي حتى الشوط الأخير مع وفائي لكلّ ما رددته مراراً عن ضرورة محاربة الصمت والنسيان.
جاء الزميل الدكتور عبد الكريم السوداني، كان هادئاً، أمر بفتح تحقيق معي، وطلب مني (حفاظاً على سلامتي) أن أغيب لشهر أو أكثر عن الجريدة، قال مازحاً : تفرغْ لكتابة الشعر، ذهبت إلى الزملاء في القسم الثقافيّ لأودّعهم، أشيع في الجريدة اني فصلت من العمل، جاء زملاء آخرون متضامنين معي مقررين الاعتصام، قمت بتهدئتهم، وقلت فلننتظر نتائج التحقيق.
يوم الجمعة جاء رئيس التحرير من إجازته، طلبني للاجتماع، قال ستتم تنحيتك عن منصبك رئيساً للقسم الثقافيّ واعطائك إجازة لمدة أسبوع قابلة للتجديد إذا أحسست بخطر على حياتك، كان في كلامه عتاب شعرت اني أستحقه، ولم أزل آسف لأني نشرت ذلك العمود في غيابه، لو كان حاضراً ربما لم تجر الأمور كما جرت.
أجري التحقيق معي، أجبتُ بما يمليه عليه ضميري، قلت أنا وحدي أتحمل المسؤولية، خرجت بعدها من الجريدة بصحبة زميل لي، وابتدأ أطول أسبوع في حياتي.
كانت خطبة سماحة الشيخ جلال الدين الصغير مؤججة للأزمة: سلب مني أصلي ونسبي وتركني مجهولاً تماماً كالجثث المجهولة التي تسقط كلّ يوم على يد قتلة مجهولين، فطيّب الله أنفاسه الزكية.
طوال هذا الأسبوع كنت مندهشاً لكثرة من احاطوني بالطمأنينة، زملاء وأصدقاء كانت شجاعتهم وصدقهم عوناً لي في نسيان ما أنا فيه، نسيان اني متوارٍ عن الأنظار، لا أستطيع الخروج من البيت، أشقاء الروح والكلمة:
ماجد موجد، علي السومري، حسام السراي، محمد النقاش، ملأوا بيتي المتواضع أمنأ بحضورهم، أصدقاء آخرون فعلوا الأعاجيب لئلا أكون وحيداً: فارس حرام، نصير غدير، حميد قاسم، عدي رشيد، عماد العبادي، زياد العجيلي، عماد الخفاجي ، هادي جلو مرعي، سعد سلوم، مازن لطيف. هؤلاء أخذوا على عاتقهم جعل ما أنا فيه مناسبة لتحريك الوسط الإعلامي والثقافيّ الساكن وكانوا أبطالاً بحقّ، ولو أردت أن أسرد أسماء كلّ من اتصل بي مسانداً لاحتجت إلى عشرات الصفحات، أدباء وإعلاميون وأعضاء في مجلس النواب، رجال دين وشيوخ عشائر، ومواطنون أجهل إلى الآن كيف حصلوا على رقم تلفوني، أما بريدي الالكتروني فكان لا يفرغ إلا ليمتلئ برسائل التشجيع والمساندة، وهناك بعيداً كان موقع (كتابات) وحده حكاية الحكايات، لن أنسى وقفة الزميل أياد الزاملي معي، هذه الوقفة الشجاعة التي لم أستغربها منه لأني أعرف مقدار حبه للعراق وللحرية. كذلك اصدقائي من كُتّاب (كتابات): أسمّي النبيل حمزة الحسن لأنه يعرف كيف يكتب بانفعال ويبقى مع ذلك عميقاً، وصديقي فاروق صبري الذي رأيت بكاءه على شاشة الكومبيوتر، هادي المهدي الذي كتب من بيروت يشدّ أزري، وكلّ أولئك الذين أحتفظ بأسمائهم في قلبي كزهرات لا أريد لها أن تذبل، لا أنسى مقال الدكتور سيار الجميل في موقع (إيلاف). وعشرات المقالات التي كتبها زملاء واساتذة تشرفت بمعرفة بعضهم من قبل ولم تسعفني مقاديري بلقاء أغلبهم، لهم ولمن كتب لي عبر الايميل أنحني شكراً وعرفاناً بالجميل، وأعدهم أن لا أخذلهم.
أشكر أيضاً نائب رئيس الجمهورية الدكتور عادل عبد المهدي الذي اتصل بي مراراً ثم طلب مني (أنا والزميل رئيس التحرير) لقاءه في مكتبه، فتشرفت بالاجتماع به يوم أمس بحضور مستشاره الأستاذ الدكتور عبد الجبار الرفاعي، لتطميني والوقوف معي ومع حرية الكلمة، كان كبيراً كعادته، أكبر من الأصوات التي غمطت حقه وأساءت اليه. أقول بكلّ صدق ان هذا الرجل أخذتْ منه السياسة ولم تهبه شيئاً لأنه أكبر منها وأشرف.
الشكر الكبير لقنوات تلفزيونية أفردت برامج لمناصرتي: الحرة، البغدادية، الديار وسواها.
أشكر الصديق الرائع الدكتور صلاح نيازي الذي كان دائب الاتصال بي وبمكتب السيد نائب رئيس الجمهورية لتسوية الأزمة.
أنحني لكلّ من اتصل مسانداً، لكلّ من أرسل بريداً، كلّ من ظهر في التلفزيون متضامناً معي، كلّ من كتب كلمة في صحيفة أو موقع الكترونيّ، لهم شكري أبد الآبدين.
لا يفوتني هنا أن أذكر بعض الأصوات التي شككت في دوافع كتابتي المقال، زميل ما (ربما لا يعرفني) كتب اني انما نشرت العمود لأحصل على اللجوء، فاته اني لاجئ أصلاً وتركت كندا لآتي الى العراق وأكتب عموداً ليشكك هو في دوافع كتابته.
آلمني تضامن بعض الإرهابيين معي، مواقع لم تزل تدعم القتلة والإرهابيين ركبت الموجة واستثمرت مشكلتي في خطابها التحريضيّ ضد الدولة، كتبت لهم اني لا أتشرف بدعم القتلة لي، ولا أنتصر بشهادة دعيّ.
أشكر موقف اتحاد الأدباء ممثلاً بريئسه الأستاذ فاضل ثامر، وأذكر بعتب شديد موقف بعض الشعراء العموديين الذين لم يناصروني لأني ضدّ الشعر العمودي (يالها مهزلة)، وبعتب أشدّ أصدقاء لي ظلوا كما عهدتهم ممالئين لسلطة الكهنوت الجالبة للمال والجاه، لم يريدوا أن يغضبوا جهاتهم التي تنعم عليهم فلم يكتفوا بالصمت بل شنعوا عليّ بتهم أهونها البحث عن النجومية، وأشدها قبضي لأموال من دول وجهات ما لقاء كتابتي العمود.
أعرف أن هؤلاء لا يعتدّ بهم، سقفهم ماليّ محض، لم أنتظر منهم موقفاً، ولذا لم أفاجأ بهم.
أخيراً
انتهت عزلتي القسرية القصيرة، لم ينته الخوف.
ساعاود العمل والكتابة بشغف أكبر، وأنا أدرك أن من يترصدني الآن أكثر كلبية من ذي قبلُ، رصيدي الآن هذا الحبّ الذي أحاطني به زملائي، وعزائي ان القضية الآن لم تعد قضية فرد اسمه أحمد عبد الحسين، أصبحت قضية رأي عامّ مطالب بحرية الرأي والتعبير.
لقد انتصرنا. قلتها بعد أن رأيت تظاهرة الجمعة التي أزعم انها ستكون نقطة مفصلية في تأريخ الإعلام العراقيّ وستذكر باعتبارها بداية وعي الإعلاميّ لحقوقه وأهمية حريته.
المجد للحرية
طوبى للأحرار.
ahmedwadi@hotmail.com