الصحافيون المحليون في العراق.. الخطر أمامهم ومؤسساتهم ليست وراءهم
انتقادات للمؤسسات الأجنبية التي لا تمنحهم نفس حقوق مواطنيها
لندن: دافيد ليون*
كان رجل الشرطة الذي اوقفنا عند نقطة التفتيش صريحا عندما ابلغناه بعملنا. فقال لنا «صحافيون؟» «اطلق النار على الصحافيين هناك هذا الصباح». ونظرنا نظـرة سريعة عبر المنطقة المليئة بالقمامة تحت الجسر العلوي الذي في الجانب الشرقي لنهر دجلة، ثم تابعنا في طريقنا. لقد سمعت عن الحادثة قبل بداية رحلتنا: تم اكتشاف صحافيين عراقيين وتم قتلهما... وهو حدث يكاد لا يجد مكانا له في نشرات الاخبار المحلية في بغداد، فما بالك بالخارج؟
لقد فرض «اخطر مكان في العالم بالنسبة للصحافيين» مجموعة جديدة من اللوائح على متابعة الاحداث. فسيارة صالون قديمة من طراز تويوتا، ذات نافذة امامية قذرة مزينة من الداخل بدليات صوفية وستائر من النايلون تخفى النافذة الخلفية، هي السيارة المفضلة لمهنتنا. وقد تركت اساطيل العربات المدرعة مرتفعة الثمن في الكراجات. فالسيارات العادية وسيلة حماية افضل من العربات المدرعة. والصحافيون العاملون في بغداد يحتفظون بسيارة اخرى تتابعهم من على بعد، وهي مدرعة.
وعليك أن تحاول الا تحدد مواعيد لكي لا يمكن اعداد الهجمات. كما عليك أن تحاول الا تبقى اكثر من 20 دقيقة فقط في أي موقع، وتبدل الطريق الذي تستخدمه، لجعل الامر اكثر صعوبة على الخاطفين. والوكالات الكبيرة لديها فريق الامن كما ان الصحافيين الذين يعملون في منظمات صغيرة لديهم شبكة سلامة خاصة بهم حيث يبلغون بعضهم البعض بمكان وجودهم. ولا يوجد سبق صحافي في بغداد.
وبالنسبة للصحافيين المحليين ولا سيما بالنسبة للمصورين، فإن الحرب تمثل مجموعة خاصة من التحديات. فأي شخص يعمل كصحافي في بغداد هو معرض للتهديد اوتوماتيكيا، ولا يعترف العديد من الصحافيين المحليين بعملهم لجيرانهم، ولا سيما اذا كانوا يعملون في مؤسسة صحافية اجنبية. وتكشف الاحصائيات التي اعدتها لجنة حماية الصحافيين ان 85% من الصحافيين الذين قتلوا في العالم هم من الصحافيين المحليين. والامر الاكثر دهشة هو ان نصفهم يعملون في وكالات صحافية اجنبية عندما يقتلون. لماذا يفعلون ذلك؟ يقول العديد في العراق انهم يعرضون حياتهم للخطر من اجل رواية حدث ـ وهو امر صحافي غزيري. ونشر الكارثة التي حلت ببلدهم هو عمل وطني.
ولكي يقوموا بعملهم بطريقة آمنة، تبقى اطقم المصورين والمصورين الفوتوغرافيين لعدة اسابيع في مجمعات تحت الحراسة لعدة اسابيع، بحيث تلتزم كل وكالات الانباء الاجنبية بالعمل من داخلها. وهو نفس اسلوب عمل الفرق الاستكشافية العسكرية ـ وبنفس المخاطر كذلك. لكن الفرق هو انه عندما تنفجر قنابل، يميل الموظفون الدوليون الى البقاء داخل الحوائط، يراقبون الدخان، بينما تنطلق الفرق المحلية لتصوير ما حدث. ولا يوجد مكان امن. فالمستشفيات والمكاتب الحكومية خاضعة للمليشيات، والشرطة في العراق متحزبة. وعندما اختطفت مراسلة «الغارديان» روري كارول، كان بعض الرجال الذين يركبون سيارات شرطة يساعدون الخاطفين.
وذكر لي عدد من المصورين العراقيين بالاضافة الى كل تلك المخاطر يتعرضون للتخويف والازعاج من قبل القوات الاميركية، الذين يصادرون الاشرطة وبطاقات الهوية، ويقبضون في بعض الاحيان على الصحافيين. وقد تم احتجاز مصور تابع لوكالة اسوشيتدبرس هو بلال حسين لاكثر من عام لما وصف بأنه «اتصال غير مناسب مع المتمردين،» كما كان على صحافي اخر يعمل في وكالة انباء كبرى الى الاختفاء بعدما وضعت القوات الاميركية ملصقات بعنوان مطلوب. وتعتقد الوكالتان الاجنبيتان اللائي يعملان بهما انهما بريئان. واتصالاتهما مع المتمردين لم تكن اكثر من تلك الاتصالات التي يحتاجها الصحافي لتأدية عمله، والاتصالات لا تعني الموافقة، كما ذكرا.
واكثر الصور تأثيرا، ولا سيما تلك التي تلتقط بعد هجمات مسلحة، يمكن التقاطها بطريقة آمنة من قبل ناس من المجتمع نفسه الذي تعرض للحادث. فميليشيات مقتدى الصدر سيمنعون أي شخص من خارج مدينة الصدر من التقاط صور هناك. هل يعني ذلك ان الصورة غير صادقة؟
ان حماية هذه المجموعة من اكثر الصحافيين خبرة هو التزام بالنسبة للوكالات الاجنبية التي تستخدمهم. او على الاقل يجب ان تفعل ذلك. وقد ادان رودني بندر، رئيس معهد السلامة الاخبارية الدولية المؤسسات الاخبار لفشلها في بالقيام بواجبها. وقد تحدث عن «التفرقة في الصحافة الدولية» والتفرقة بين الصحافيين الاجانب والمحليين. وعندما طلب منهم تسمية الاطراف المتورطة لإحراجها قال «حتى الغابة الالكترونية ليس فيها ما يكفي من الاشجار لطباعة القائمة». ويعاني المعهد من دعم متراجع وغير منتظم، وتحصل بعض الاحيان على تمويل يكفي لحل بعض الازمات وليس بتغيير الوضع بإسره. وفيما اصبح التدريب على السلامة اجراء روتينيا للصحافيين من الدول الغربية، لم تعد هناك أماكن تعتبر آمنة يمكن ان نذهب اليها. نحن افضل تدريبا لكننا لم نتمكن من التغطية في الوقت الذي غطى فيه الصحافيون المحليون الذين يعملون بدون الحماية التي تعاملنا معها كأمر مسلّم به. ما هو مستوى المسؤولية المتوفر لدى وسائل الإعلام التي تأخذ الصور التي نحصل عليها من العراق؟ يجب ان يكون المعيار الاساسي هو مستوى التشجيع الذي نقدمه الى المؤسسة. تلقى زميل يدير شركة اخبار تلفزيونية مستقلة بعض اللقطات من مصور محلي صوّر فيلما في افريقيا. كانت هناك خلافات بين جماعات متنافسة على عقد للتعدين. صور الشخص المذكور مقابلات وغالبية ما كان يحتاجه للقصة، ولكن دون قتال. أدرك صديقي ان بيع القصة يتطلب ان يكون هناك بعض الحركة والإثارة، بيد انه كان يدرك ايضا انه سيعرض حياة المصور للخطر اذا كلفه بتصوير قتال. هذه ليست شكوك فرضية، وإنما قضايا حقيقية في عالم بات فيه تعريف «الصحافي» غير واضح أكثر من أي وقت مضى، كما باتت تستخدم مشاهد يصورها اشخاص غير صحافيين بالمعنى المعروف. ومع بداية استخدام قنوات الأخبار لـموقع «يوتيوب» الإلكتروني كمصدر للصور من المحتمل ان يصبح التحدي المتمثل في ضمان سلامة الذين يعملون لا يعدو ان يكون جزءا ضئيلا فقط من تحديات ومخاطر كثيرة.
* خدمة «الغارديان» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»