مرصد الحريات الصحفية

مرصد الحريات الصحفية

الصفحة الرئيسية > قضايا ومقالات > الصحافة المجانية.. البداية...

الصحافة المجانية.. البداية والتطور

لم تدخل الصحافة المجانية في الدول العربية ميدان المنافسة لحد الآن، اذ لم يصل مستوى القناعة بأهمية وجود هذه التجربة الى درجة عالية.
 ان توزيع صحيفة ما أكثر من مليون نسخة يومياً ومجاناً، فأنها توافر للإعلان فرصة الانتشار بين اكبر عدد ممكن من القراء، مقارنة بأعداد الذين يصلهم الإعلان عبر الصحيفة المباعة.

 


م.م. محمد وليد صالح
باحث إعلامي - جامعة بغداد
من الاتجاهات الحديثة في الصحافة الدولية انتشار ما يعرف بالصحافة المجانية Free Press في أوربا بشكل خاص خلال العشر سنوات الماضية، وان هذه الظاهرة لاتسترعي انتباه الناشرين التقليديين الذين يعترضون على وجود صحف مجانية تضرب الصحف المدفوعة التي يمتلكونها، وقد لخص احد الناشرين لصحيفة بلد الالمانية Bild Zeitung بالقول "ان اليوم الذي لا توجد فيه صحف مجانية هو يوم جيد".
اخذت الصحافة المجانية اهتماماً كبيراً في السوق الاوربية والاسيوية، على عكس الحال في الاسواق الامريكية اذ لم تصل الى درجة الاهتمام الشعبي او الجاذبية المؤسسية، ويعد احد الاسباب التي هيأت المناخ لتنامي الصحف والمجلات المجانية هو حركة الناس عبر وسائط النقل العام في كبرى المدن الاوربية والاسيوية، بينما معظم الناس في المجتمع الامريكي يعتمدون على وسائط النقل الشخصية، وهذا ما ادى الى قلة اهتمام الناس بمثل هذه الصحف في معظم المدن الامريكية.
انبثقت تجربة الصحافة المجانية في أوروبا عندما تضافرت جهود أربعة زملاء مهتمين بالصحافة لإصدار صحيفة إخبارية يومية مجانية في السويد عام 1995، وكان اسمها (مترو) توزع على مرتادي قطار الأنفاق، إذ تقدم عرضاً ملخصاً للأنباء بأسلوب مسلٍ ومفيد، فضلا عن اجتذاب قراء جدد من سكان المدن خاصة الذين لايولون نوعية محتوى الصحيفة اهتماماً.
 ونقل راديو مونت كارلو في 27 فبراير 2002 أن الآلاف من ركاب مترو الأنفاق بالعاصمة السويدية استوكهولم قد اعتادوا على المتابعة اليومية للصحيفة التي تغطي القضايا المحلية والدولية من خلال نشرها للمقالات والأخبار.
وبعد مرور ثمان سنوات وفي منتصف فبراير 2002 وصلت إلى باريس الطبعة الفرنسية من صحيفة (مترو)، فضلا عن دخول تجربة الصحافة المجانية إلى أكثر من بلد أوروبي، فقد سبق اعتماد هذه التجربة إجراء دراسات وبحوث حول حداثتها ومدى نجاحها، إذ لم يشهد تاريخ وسائل الاتصال سابقة لها.
أن توزيع صحيفة ما أكثر من مليون نسخة يومياً ومجاناً، فأنها توفر للإعلان فرصة الانتشار إلى اكبر عدد ممكن من القراء مقارنة بأعداد الذين يصلهم الإعلان عبر الصحيفة المباعة، وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال هو.. كيف يمكن تمويل الصحيفة المجانية؟ إذ إن الإعلان يمثل مصدر أساسي من مصادر التمويل للصحيفة، خاصة وأنها تقدم خدمة جيدة تثير رغبة القارئ في مواصلة القراءة.
ويمثل هذا البحث محاولة لرسم صورة مختصرة ومبسطة حول الصحافة المجانية من خلال توظيف المعلومات المتعلقة بهذه التجربة لتوضيحها للقارئ.
الصحف المجانية في أوروبا
أن اعتماد الإعلام الدولي اسلوباً جديداً يعرف بـ(الصحافة المجانية) في دول أوروبا، اخذ اهتماماً كبيراً بعد أن توسعت حركة الجمهور وتنقلهم عبر وسائط النقل العام في المدن الأوروبية، أسهمت في تطور تلك الصحف بينما الواقع يشير إلى أن اغلبها تمتلك مؤسسات إعلامية تصدر صحف مباعة أخرى.
ووفقاً للإحصائيات التي أعدت لهذا الغرض خلال المدة (2000 – 2005) فأنها تشير إلى أن أعداد الصحف المجانية في عام 2000 كانت أربعين صحيفة، بينما ازدادت في عام 2005 فبلغت أكثر من مائة صحيفة أي أن نسبة الزيادة خلال خمسة سنوات وصلت أعلى من الضعف، أما معدلات التوزيع فقد ازدادت أيضا من ثمانية ملايين إلى ثلاثة وعشرون مليون نسخة خلال المدة ذاتها أي أن نسبة الزيادة وصلت الضعفين تقريباً، ونستنتج من ذلك أن تلك التجربة في تطور مستمر.
إذ تمثل أكثر من نسبة (20%) من إجمالي أعداد الصحف الصادرة في الدول الأوروبية مثل السويد وأسبانيا وسويسرا وفرنسا وايطاليا والدنمارك وسنغافورة والبرتغال واليونان والتشيك وأيسلندا والمجر.
فعلى سبيل المثال تعد صحيفة (مترو) المجانية ومركزها السويد أنموذجاً لنجاح التوجه نحو الصحافة المجانية، فقد تجاوز توزيعها حدود الدولة الواحدة إذ توزع ستة ملايين نسخة ولديها سبعة وخمسون طبعة توزع في واحد وثمانون مدينة داخل ثماني عشرة دولة.
وقد احتلت المركز الثالث بين صحف العالم من حيث معدلات التوزيع، بعد الصحيفتين اليابانيتين (يوميوري) و(أساهي) اللتين تجاوز توزيعهما عشرة ملايين نسخة يومياً.
الصحف المجانية في العالم العربي
شهد الوطن العربي ولادة تجربة إعلامية جديدة العام الماضي في ثلاثة دول تصدرتها المغرب تلتها مصر ثم السودان في إصدار الصحف المجانية.
ففي المغرب صدرت (أو فيت) أول صحيفة إخبارية يومية مجانية ناطقة باللغة الفرنسية توزع في المغرب صدرت مطلع مارس 2007، ويرأس تحريرها إبراهيم السدراتي، فضلا عن فريق تحرير يضم سبعة صحفيين شباب.
توزع (أو فيت) التي اعتمدت الانترنت للحصول على المعلومات في مدن الرباط ومراكش وفاس وطنجة والدار البيضاء التي تمثل مركز الصحيفة، وبواقع خمسة وعشرون ألف نسخة يومياً، فضلا عن موقعها على شبكة الانترنت، وهي صحيفة ملونة تتكون من ثمان عشرة صفحة من حجم التابلويد، إذ تستهدف شريحة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين (25 – 40) سنة خاصة الذين يجيدون اللغة الفرنسية.
أما العاصمة المصرية القاهرة فقد شهدت توزيع (24 ساعة) أول صحيفة يومية مجانية ناطقة باللغة العربية في مصر تجمع بين فنون التحرير الصحفي، فضلا عن المساحة المخصصة للإعلان، صدرت منتصف أكتوبر 2007، ويرأس تحريرها سمير رجب، ويبلغ عدد العاملين في الصحيفة أكثر من 150 صحفياً ومترجماً.
توزع (24 ساعة) ثلاثمائة ألف نسخة يومياً داخل نطاق مدينة القاهرة عبر منافذ التوزيع المخصصة لها والساحات الرئيسة والنوادي والأماكن السياحية الأخرى، فضلا عن موقعها الالكتروني على شبكة الانترنت.
وبالنظر لدور الإعلان في الصحافة فقد حددت السياسة التحريرية نسبة الإعلان بـ(25%) من مساحة الإصدار الإجمالية، وتتولى شركة متخصصة في الإعلان والتوزيع منفصلة عن إدارة التحرير مسؤولية الإعلان في الصحيفة.
وفي العاصمة السودانية الخرطوم (الأحداث) كانت أول صحيفة يومية سياسية مجانية ناطقة باللغة العربية توزع في السودان، صدرت مطلع سبتمبر الماضي، ويرأس تحريرها عادل الباز.
إذ يلاحظ أن الصحافة المجانية في الدول العربية لم تدخل ميدان المنافسة، ولم يصل مستوى القناعة بأهمية وجود هذه الصحف إلى درجة عالية، أن ما يؤيد الذي ذهبنا إليه هو قلة أعداد الإصدارات، فهذه التجربة لاتزال حديثة العهد في المنطقة العربية.
الصحف المجانية والصحف الإعلانية ـ مقاربة
تعد الصحف المجانية صحفاً عامة تمتلك إدارة تحرير وصفحات مبوبة وفق السياقات الصحفية المعروفة من سياسة واقتصاد واجتماع وثقافة ورياضة وغيرها، فتضم الصحيفة فنون التحرير الصحفي من الأخبار والتقارير والتحقيقات والحوارات والأحاديث، فضلا عن المساحة المخصصة للخدمات الصحفية والإعلانات.
بينما الصحف الإعلانية تقتصر على تقديم خدمات الترويج والتسويق والإعلان، كالأقاصيص الورقية ذات الأحجام المنوعة مثل إعلانات المعارض والمطاعم وغيرها.
بطبيعة الحال يمثل انتشار الصحف المجانية التحريرية في دول العالم، حلاً لمسألة ارتباط التحرير بالإعلان أي أن الإعلانات تتوجه للصحف الأكثر توزيعاً لتحقيق الانتشار بغض النظر عن المستوى المهني للصحيفة، إذ أن قيمة الدخل الذي يتأتى من بيع الصحيفة لا يساوي ربع التكلفة الكلية لإنتاجها والنسبة الأكثر من الدخل يغطيها الإعلان.
فالصحافة التقليدية لابد أن تطور رسالتها الاتصالية ليتمسك بها القارئ من جهة ولمواجهة مد القنوات الفضائية والصحافة الالكترونية من جهة أخرى. إذ إن الصحافة المجانية سوف تستقطب شريحة جديدة من القراء وخاصة ذوي الدخل المحدود لقراءتها، مما يترتب على زيادة قاعدة الوعي الجماهيري.
ويعلل معظم الباحثين في الاتصال ظاهرة عزوف الجمهور عن قراءة الصحف وتصفح المواقع الالكترونية الإخبارية والاستماع إلى محطات الإذاعة إلى تغلب القيم الفردية على القيم الجمعية وتبدد الاعتقادات المشتركة، فأن تدني نسب القراءة والاستماع، فضلا عن ظهور الصحافة المجانية ونزولها على حاجات القراء الحقيقية أكثر من المطبوعات المباعة، من خلال تقديم عرضاً سريعاً وملخصاً للأنباء وتركيزها على بساطة المواد التي توجب أن يكون مضمونها واضح بعيد عن التحليل الإخباري الموسع، كل ذلك اثر على مساحة النشر للصحافة التقليدية.
 أن الصحافة المطبوعة ستشهد تراجعاً مقابل ازدهار الصحافة الالكترونية في ظل عصر تكنولوجيا المعلومات، لأن إنتاج الصحف وتوزيعها يجعلها مؤسسات وظيفية مكلفة وبالتالي ستساعد صحافة الانترنت على استخدام الصور والأصوات والأفلام، فضلا عن إتاحة الفرصة للقارئ للتعليق على ما يقرأ والسماح له بالتواصل مع المحرر والكاتب في أي مكان من العالم وهذا ما يعرف بـ(الصحافة التفاعلية).
وفيما يتعلق بطريقة توزيع الصحف المجانية، كانت توزع في محطات القطار والحافلات كما في فرنسا وهي طريقة مناسبة للوصول إلى الجمهور بخاصة الأشخاص الذين يستقلون وسائط النقل العام يومياً أو الأماكن العامة وأكشاك بيع الصحف غالباً، فضلا عن التوزيع الذاتي الذي يمثل طريقة جديدة للقرب من القارئ تعتمد على الاتصال المباشر عبر بحث الصحيفة عنه.
ويرى الباحث من خلال تجربته الميدانية في مجال الصحافة ودراسته الأكاديمية للإتصال الجماهيري، أن الصحف المجانية لاتمثل تهديداً على الصحف المباعة بقدر ما ستفرض عليها أن تتكيف مع الأوضاع الجديدة، فضلا عن إيجاد مساحة من القراء الجدد إضافة للقراء الذين كانوا زبائن لصحف أخرى، فهؤلاء يتوفرون على معارف من خلال متابعتهم للمقالات التحليلية التي تسمح بإضفاء معنى إلى المعلومات السريعة والبسيطة التي تلقوها بهدف النهوض بوعي الجمهور.
 
خلاصة
أخذت تجربة الصحافة المجانية تغزو المجتمعات الأوروبية لتشكل رداً على تراجع الاهتمام الشعبي والإعلاني بالصحافة التقليدية، فضلا عن الاعتقاد السائد بأن التطورات التكنولوجية في مجال الاتصالات والمعلومات أدت إلى تراجع الصحف المطبوعة، يقابل ذلك أن معظم الجمهور يقضي معظم الوقت في العمل وعلى الطرقات ووسائط المواصلات بعيداً عن وسائل الاتصال الالكترونية، إذ نلاحظ أن الصحف التي اعتمدت حجماً جديداً يمتاز بصغره وسهولة قراءته تتفوق عن الصحف ذات الحجم الكبير، وهذا بدوره أسهم في إبقاء مساحة للصحف المطبوعة.
من خلال ما تقدم نخلص إلى القول أن الإفادة من تجربة الصحافة المجانية تكمن في معالجة حالة التراجع في مستوى القراءة والوعي الجماهيري من خلال اكتشاف شريحة جديدة من القراء ورفع مستوى تعاطي الصحيفة مع الجمهور، فضلا عن تقديم خدمة إخبارية يومية عامة تهم فئات المجتمع المختلفة وليس بالاقتصار على نشر الإعلانات بشكل أساسي بأعتبارها مصدر لتمويل عمليات الصحيفة أو الترويج لفعاليات القطاع الحكومي وغير الحكومي أو التسويق لخدمات ومنتجات مؤسسة معينة.

 

 

 

  • إذلال" و"فوضى".. هكذا يتلقى الصحفيون العراقيون "منحة" الحكومة!

  • سحب الهاتف والتوقيع على ورقة مجهولة.. صحفية تروي ظروف اعتقالها في السليمانية

  • اعتقال مراسل قناة NRT في اربيل اثناء اداء مهامه

  • انتهاكات ضد مجموعة صحفيين غطوا تظاهرة ضد الفساد في حلبجة

  • قوة أمنية تعتدي على كادر الرابعة في البصرة بتحطيم المعدات والضرب والاحتجاز

  • وزير الداخلية يقاضي الإعلامي حيدر الحمداني بتهمة القذف والتشهير

  • قانون جرائم المعلوماتية: مُفصّل على مقاس السلطة.. ومخيّب لتطلعات الصحفيين

  • تعرض المراسل فاضل البطاط الى اعتداء على يد أمن فندق غراند ميلينيوم البصرة