التعبير عن الذات والرأي وحقوق الانسان ولدت مع ولادة الانسان وتطورت بتطوره، فأصبحت في صميم حياته، لا بل أنه قد يدفع حياته احيانا ثمنا للدفاع عنها، لهذا تبنت الدساتير الوطنية حقوق الانسان، وأصبحت تحرص على ادراجها في قوانينها، اذ أن ذلك يعطيها قدرا كبيرا من الاحترام والهيبة، وان خلو بعض الدساتير منها لا يعني عدم احترامها لأن الدساتير تعد كاشفة لحقوق الانسان وليست ناشئة لها، وقد عالج الدستور العراقي الحالي المنشور في جريدة الوقائع العراقية الصادرة بالعدد 4012 في 28 /12/2005 حرية الرأي والتعبير والصحافة والاعلان والاعلام، في الفصل الثاني من الباب الثاني منه، حيث وردت تحت عنوان الحريات، اذ نصت المادة (38) منه على تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والاداب: اولا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانيا: حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر. ثالثا: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون. وجاء في المادة (46) منه ما نصه لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور او تحديدها الإ بقانون او بناء عليه، على ان لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية. ان النصوص الدستورية السالفة الذكر قد بينت أن الدولة تكفل الحريات الواردة في الفقرات اولا وثانيا وثالثا من المادة (38) من الدستور إلا انها علقت ذلك بشرط عدم الأخلال بالنظام العام والاداب، في حين ان مفهوم النظام العام والاداب مفهوم واسع وقد يختلف مفهوم الاداب من مكان لاخر، ذلك لانه يتغير بتغير الزمان والمكان، وبالتالي فإن ذلك يعطي سلطة تقديرية للقضاء لتحديد مفهوم الاداب، اذا ما اعتبرنا ان جميع القواعد القانونية الامرة هي من النظام العام، وان نص بما لا يخل بالنظام العام والاداب، نص يعطي سلطة تقديرية للقضاء في تفسير النص المذكور، مما يجعل الصحفي او الاعلامي عرضة للمساءلة القانونية تحت حجج مخالفة النظام العام والاداب وتفسيرها، واذا ما عطفنا النظر على النصوص الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وسنختصر في ذلك لعدم الاطالة نجد ان المادة (19) منه الفقرة (3) نصت على تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة (2) من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة، وعلى ذلك يجوز اخضاعها لبعض القيود لكن شريطة ان تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية، (أ) لاحترام حقوق الاخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام او المصلحة العامة أو الاداب العامة، صحيح ان المادة المذكورة اوردت النظام العام والاداب العامة لكنها قبل ذلك نصت على احترام حقوق الاخرين او سمعتهم، كما اجازت تقييد ممارسة الحريات ضمانا لحماية الامن القومي، في حين ان الدستور العراقي جاء خاليا من النص عليهما رغم اهميتهما. وأن النصوص الواردة في الفقرة (3) من المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية جاءت اكثر وضوحا وتحديدا من المادة (38) من الدستور العراقي، وكان الأولى الافادة منها في النص الدستوري المذكور، خاصة وان العهد الدولي الخاص كانت قد اعتمدته الجمعية العامة للامم المتحدة في قرارها رقم 2200 (أ) الصادر في كانون الاول 1966 ورغم ان المادة (41) من الدستور العراقي والسابقة الذكر قد نصت على لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور او تحديدها إلا بقانون او بناء عليه، ورغم نفاذ الدستور وسريانه منذ اكثر من سنه ونصف، إلا انه لحد الان لم يسن قانون للعمل الصحفي والاعلامي بالاستناد اليه، رغم الظروف الراهنة التي تستوجب تشريع هكذا قانون، قانون مانع جامع للعمل الاعلامي والصحفي، قانون يعرف من خلاله العامل في الحقل الصحفي والاعلامي ما عليه من واجبات وما له من حقوق، واذ نشير الى أهمية سرعة سن القانون من قبل السلطة التشريعية، وفقا للآليات المرسومة في الدستور، فانه من الضروري عطف النظر على ما قدمته الجهات الصحفية والاعلامية المختصة من أفكار ومقترحات تعنى بالاعلام بغية خلق بيئة تشريعية لعمل الاعلام العراقي.