8-6-2015
قال خبراء مختصون في القوانين والتشريعات الاعلامية إن قانون "شبكة الاعلام العراقي"، الذي اقره البرلمان مؤخرا، يفتقر الى الضمانات الحقيقة لتطبيق مبدأ الاستقلالية لعمل هذه المؤسسة، وانه مازال يعتبرالعاملين فيها موظفين حكومين ينطبق عليهم قانون الخدمة المدنية.
واكد الخبراء ان القانون يشتمل على تناقضات كبيرة في مضمونه العام ويهدد التنوع الديني، مما يحتم على السلطات التنفيذية والتشريعية اقتراح تعديلات جديدة لبعض فقراته التي قد تفسح مجالا واسعا امام التدخلات السياسية والتأويل في عمل الشبكة مستقبلاً.
واقر البرلمان العراقي يوم 28-5-2015 قانون "شبكة الاعلام العراقي" بمسودة لم تعرض بشكل كامل على المختصين في مجال القوانين والتشريعات الاعلامية وتتضمن نسختها الاخيرة بعض المخالفات الدستورية.
ويقول التحليل القانوني الذي اجراه الفريق المتخصص بالتشريعات الاعلامية في مرصد الحريات الصحفية، أن القانون بصيغته الحالية لا يقدم نموذجاً واضحا لضمان استقلال الاداء الصحفي للشبكة رغم تحريرها من هيمنة السلطة التنفيذية، الا أنه منح اللجنة البرلمانية الفرعية المختصة بالثقافة والاعلام سلطة كبيرة وواسعة لفرض وصايتها على مجلس الامناء ورئيس الشبكة، وهو ما سيؤدي الى التداخل بعمل السلطات، اذ يمنح القانون اللجنة البرلمانية سلطات تنفيذية، وهو مخالفة لاصول الدستور العراقي.
ووفقا للمادة 2 من هذا القانون "تؤسس هيئة مستقلة بموجب المادة (108) من الدستور العراقي تسمى: (شبكة الاعلام العراقي) وتتمتع بالشخصية المعنوية ويمثلها رئيس شبكة الاعلام العراقي او من يخوله. وتعمل طبقا لمبادئ الاستقلالية والشمولية والتنوع والتميز، وتعكس القيم الديموقراطية والاجتماعية والثقافية والاسلامية للمجتمع العراقي وترتبط بمجلس النواب". في حين عادت المادة 8 الفقرة 2 لتمرر ارتباط مجلس الامناء باللجنة الفرعية البرلمانية للثقافة والاعلام ونصت على انها اللجنة المخولة قانونيا لاختيارهم من دون ربط ذلك بالسلطات المختصة، وفقا لما جاء في الفقرة الخامسة من المادة 61 من الدستور العراقي.
وينص القانون الجديد لشبكة الاعلام العراقي، في المادة 8/ أولاً، على ان "يتكون مجلس الامناء من تسعة اعضاء جميعهم غير تنفيذيين، ثلثهم من على الاقل من النساء"، وهي مادة تكشف تعارضا واضحا مع الدستور الذي حدد " كوتا" النساء في مجلس النواب فقط دون غيره، واعترف بان للمرأة فرص مكافئة لفرص الرجل، وفق المادة 16 من الدستور الدائم التي نصّت صراحة على ان "تكافؤ الفرص حقٌ مكفولٌ لجميع العراقيين"، وبالتالي فأن حقوق النساء مصانة على اساس الكفاءة والاستحقاق وليس عبر فرض "كوتا".
وحدد القانون، في مادته 14، شروطا معينة لمنصب رئيس الشبكة. ولم تأخذ الشروط العامة بنظر الاعتبار المحددات المهنية والاحتراف الصحفي والاعلامي الواجب توفرها في المرشح لرئاسة الشبكة، لكنها اهتمت بالجوانب السياسية دون الاشارة للخبرات الصحفية المكتسبة لمن يتولى او يترشح لهذا المنصب وهو ما سيخلق صراعات سياسية كبيرة داخل مجلس الامناء.
لم يول قانون شبكة الاعلام اهمية تذكر للبيروقراطية القانونية التي تعاني منها الشبكة وخضوعها للضوابط الحكومية في عملية التعاقدات وعملية الانتاج الاعلامي، وهي آليات في غاية التعقيد، ولم يلتفت لها القانون بشكل الجوهري. فالمادة 17 نصت على تكوين لجنة رقابة مالية من 3 اعضاء يعينون من قبل مجلس الامناء يعملون كهيئة مراقبة لضمان الفعالية والشفافية في استعمال الاموال العامة وممتلكات الشبكة ونشاطها التجاري، وهو ما يتنافى وروح القانون الذي يؤسس هيئة داخل هيئة.
وابقت المادة 18 من قانون الشبكة على مهام المفتش العام، الذي من شأنه، ووفقا للقوانين العراقية سارية المفعول، ان يعيق ويعرقل جميع التعاقدات ويعود بعمل الشبكة لقوانين الرقابة الحكومية التي لاتتوافق مع عمل المؤسسات الاعلامية المستقلة.
ويتضارب هذا القانون، بحسب الفريق المتخصص بالتشريعات الاعلامية في مرصد الحريات الصحفية، مع القوانين والتشريعات الاعلامية الاخرى فالمادة (26 / رابعاً) منه نصت على ان شبكة الاعلام العراقي، لاتخضع لمراجعة الاداء من قبل هيئة الاعلام والاتصالات، التي تعد دستوريا الجهة المنظمة لعمل وسائل الاعلام في العراق. كما تمتلك هيئة الاعلام لائحة ضوابط وقواعد للبث ملزمة لجميع وسائل الاعلام، بما فيها قنوات واذاعات شبكة الاعلام العراقي، وهذا ما يهدد مستقبلا بمنح شرعية لوسائل اعلام اخرى تعمل خارج المدونات المهنية.
كما تهدد هذه المادة (26 / رابعاً) بفرض حالة من عدم المساواة بين وسائل البث التابعة لشبكة الاعلام العراقي، ووسائل البث المستقلة والمحلية من ناحية دفع الاستحقاقات المالية لاجور الطيف الترددي، ومراجعة الاداء المهني من قبل هيئة الاعلام والاتصالات.
واذ يبدي مرصد الحريات الصحفية استغرابه من الطريقة التي مرر بها قانون مهم كـ(قانون شبكة الاعلام العراقي)، يرى ان طريقة تمرير القانون تفتقر للشفافية واسفرت عن انتاج تشريع لن يساعد على تنظيم العمل الاعلامي وتعزيز معايير الاستقلال والمهنية لوسائل الاعلام الرسمي.
ويدعو مرصد الحريات الصحفية السيد رئيس الجمهورية، بوصفه حاميا وراعيا للدستور، الى عدم المصادقة على القانون المثير للجدل واخذ الانتقادات التي يوجهها الوسط الاعلامي والصحفي بنظر الاعتبار.
كما يحث مرصد الحريات الصحفية مجلس النواب الموقر والكتل السياسية ولجنة الثقافة والاعلام اعادة تجميد القانون ريثما يتم انضاج مسودة متكاملة توفر الضمانات المطلوبة لاستقلال ومهنية شبكة الاعلام العراقي.