اعرف، بدءا، بان حياتنا، كاصحاب رأي لم يُرتهن، وكلمة لم تُدجن، صارت مفردة للمناقشة على طاولات الكثير من اسياد الشارع، وحين يسقط أي واحد منا سرعان ما يتبرأ الجميع من دمه، وقد يمشون بجنازته بدموع، ونحيب، فيتماهى القاتل في مزدحم المواسين.. واعرف اننا، في نهاية المطاف، سنتنازل عن حقنا في مقاضاة الاشباح.
اقول، اعرف ان حياتنا صارت موضوعا قيد البحث، لكننا الان نحتاج الى تدريب مضنٍ على مزاولة الحياة بين كل اطلاقتين لكواتم الصوت، فقد ولدنا لهذه اللعبة الخطيرة، لعبة الروليت، ولم نكترث للتهديدات بالموت. وحدهم نجوا، اولئك الذين كتبوا، ويكتبون، مقالات خالية من الملح، راضية بالمذلة.
وانت، إذ اخذت رصاصتك، قبلنا، الى سرير بملايات بيضاء، في مشفى محروس بعناية مفرطة، فقد سبقتنا الى السؤال عمن خسر ومن ربح من حادث العرصات الذي هزنا، فللوهلة الاولى، يبدو اننا خسرنا الجولة في معركة غير متكافئة: كاتم الصوت بمواجهة قلم.
لكن الفرضية غير الفرض، فالحرية (والرأي الحر منها) غرسة تشق اللحاء المتشابك، كما يشق الكمأ التراب البليل، والجناة يتقنون مهارة واحدة، هي رصد ضحيتهم والايقاع بها، ثم يبدأون، بعده، رحلة الفزع الابدية من القصاص الذي سيحل وإن طال الزمن.
وإذ نقترب من الانتخابات فانهم يعدون الآن المسرح لجولة جديدة من شراء الذمم، والاحتيال على الله، واستخدام المال العام والمستورد وفائض المنهوبات والمهربات والاكاذيب، ومرة اخرى، سيخدعون ارامل القتلى والشهداء بالكلام عن التعويضات التي لن تأتي وبالصبر المأجور غير ذي كلفة، ومرة ثالثة ورابعة والف، سيأكلون وعودهم لنا بالرخاء وفرص العمل والمساواة والامن، وعدا بعد آخر، كما كانت قريش تأكل اصنام التمر، صنما بعد آخر، بعد بُطلان الفائدة منها.
فقم لهم من رصاصتك، واشمر الملايات البيضاء، وعد الى لعبتك التي كانت تزعجهم، والى اوراقك التي كانت تطلق عليهم الحجر المقدس، واحلب لنا من ثدي الغزلان نداء كانت ايزابيللا الليندي قد سمته بنداء اخوة الرأي الذي تنخرط فيه اصوات متعددة القناعات لتكوّن صوت الحرية المهيب.
قم لهم ياعماد، فانهم يتشفون بنا، فيما نعيش حسرة (وقل عجز) تعريف الكوارث المحدقة بنا.. ونموت باسماء مستعارة.
.. وكلام مفيد
“الشجرة العاقر لا يقذفها أحد بحجر“.
ليوبولد سنغور