قانون لاهل الكهف في فيسبوكستان
هيوا محمود عثمان
في وقت يحاول العالم الحر البحث عن إجابات حول مستقبل الاعلام والحاجة الملحة في البلدان الديمقراطية والتعددية لصحافة حية وحرة في ظل التطور التكنولوجي، مثل شبكات التواصل الاجتماعي وصحافة المواطن، وجد البرلمان العراقي الحل: الموت البطيئ للاعلام.
في مقتبل هذا الشهر، شرع البرلمان العراقي "قانون حقوق الصحفيين" ويفترض أن يحمي الصحفيين، لكن الحقيقة أنه يحمي الحكومة والطبقة السياسية من الصحفيين أويحمي نقابة الصحفيين من موجة الحداثة التي تمر بها مهنة المعلومة الصادقة. فالقانون يعطي صلاحيات واسعة للنقابة التي لازالت تعيش في سيتينيات القرن الماضي ولا زال الكثير من المتنفذين فيها يعتقدون أن مهنة الصحافة هي أن تكون مع جهة ما أوضدها.
وسيقوم القانون ببنوده اللادستورية وغير القانونية بوضع الكثير من المعوقات أمام تطور صحافة مهنية وحقيقية تلعب دورا في بناء الدولة. دورٌ لابد منه في أي نظام ديموقراطي والحاجة له أكثر في العراق الذي يأكله الفساد.
لا اريد الخوض في تفاصيل العيوب القانونية والنقاط اللادستورية للقانون، وقد قامت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة بإعداد دراسة مفصلة عنه نشرتها قبل أيام في بيان لها قال ان القانون يعيد انتاج اعلام السلطة مرة أخرى وليس الإعلام الحر. (بالإمكان الاطلاع على الدراسة في القسم العربي من موقعي الشخصي www.hiwaosman.com).
لكن النقطة الجوهرية في العمل بهذا القانون هي أنه سيقوم بالقضاء على أي احتمال لنشوء صحافة جيدة، مسؤولة ومهنية في العراق الذي سيكون بأمس الحاجة لتلك المهنة فيما لوأراد أن يواكب التطور التكنولوجي والاعلامي والسياسي المحيط به. فمن أهم مستلزمات توجه البلاد بالاتجاه الصحيح هوأن يكون لدى المواطن المعلومة الصادقة والحقيقية من أجل خلق الشعور بالمسؤولية وتمكينه من اتخاذ القرارات السليمة في حياته.
وفي عصر التطور المتسارع هذا، أصبحت عملية تداول المعلومة مهمة الجميع في كل مكان. يكفي أن نتابع نشرة أخبار واحدة هذه الأيام لنرى أن معظم الصور والمشاهد أتت من أناس عاديين لا صحفيين. وبقراءة سريعة للقانون نرى أنه مركب بطريقة تجعل من الصحفي الناقل الوحيد للمعلومة وتعرفه بطريقة بسيطة ومحدودة جدا.
والطريف هنا هوأن الإجابة على سؤال "من هوالصحفي اليوم؟" بات أمرا يحير كبار المفكرين والفلاسفة في العالم حيث يواجهون الكثير من الصعوبات في تعريف الصحفي والدور الذي يقوم به اليوم. ولكن يبدوأن الأمر في العراق ليس بالصعوبة التي يتصورها هؤلاء المفكرين والفلاسفة فما عليهم إلا أن يقرؤوا المادة الأولى من قانون حماية الصحفيين العراقي ليعرفوا ذلك. وفضلا عن هذا يخلق القانون شتى العقبات القانونية أمام توفير المعلومة للمواطن وبدون أن يعرف الحدود القانونية لنوع المعلومات التي يتوجب أن يحصل عليها الصحفي اولا يتوجب. وهذه النصوص التي تخلق المعوقات أمام الصحفي هي ذاتها التي يستخدمها الفاسدون من أجل منع نشر قضايا الفساد الرتبطة بهم.
وتشكل الامتيازات المذكورة في القانون تمييزا واضحا بين الصحفيين وغيرهم من أصحاب المهن والحرف الأخرى. وتقتل في نفس الوقت النواة التي تقوم عليها مهنة الصحافة الجيدة: الإبداع والمنافسة. فالقانون يحول الصحفيين إلى عمال أوموظفين مسلكيين في دوائر الدولة تحت رعاية نقابة تعيش في زمن أهل الكهف لوقورنت بالنقابات الأخرى في العالم التي يتمنى الصحفي الجيد أن يصبح عضوا فيها.
سيقوم القانون لوتم تطبيقه بالحد من التواصل مع الإعلام الدولي والوكالات الدولية وسيحد من عمل المراسلين الأجانب في البلاد كونه يحدد بشكل واضح في بدايته أنه قانون للصحفيين العراقيين فقط. وبالتالي يرسل رسالة واضحة للصحفيين الأجانب بانهم غير مرحب بهم في العراق.
وخلاصة القول: لودخل القانون حيز التنفيذ، سيتلاشى أي أمل لإيجاد صحافة حقيقية في البلاد وستتحول الصحافة إلى صفحات الانترنيت والهواتف النقالة وستكون مسألة وقت قبل أن نرى صورة رئيس الوزراء أورئيس الجمهورية مقصوصة من صورة في البيت اﻷبيض كي تظهر أنه يمشي أمام أوباما، اﻷمر الذي فعلته اﻷهرام المصرية بحسني مبارك قبيل انهيار نظامه.