رغم مرارة الفراق وصعوبة العيش بدون رب اسرة او معيل في بلد بات يفتقر الى مقومات العيش لم تتمن أم سامر التي تعيش وحيدة مع ولديها منذ مايقرب من سنة عودة زوجها الصحفي الى العراق مفضله ألم الفراق على العيش في دوامة التهديد بالقتل أو الاختطاف التي تعرض لها زوجها مما دفعه للهجرة.
وقالت ام سامر وهي زوجة صحفي عراقي كان يعمل لوكالة أنباء اجنبية "بسبب تهديدات توعدته بالاقتصاص والقتل.. أحسست بالم كبير عندما هجر زوجي البلاد وواجهت مشاكل كثيرة في التأقلم بدونه خاصة وانه كان المعيل الوحيد لي ولاولادي".
واضافت " لكني الان لا أتمنى عودته لان عودته تعني احتمال تعرضه للقتل او الاختطاف على أقل تقدير".
وشرحت أم سامر كيف تعرض زوجها للتهديد عندما نشر موقع على الانترنت يعتقد أنه تابع لاحد الاحزاب المتنفذة تهديدا ضد صحفيين كان زوجها أحدهم توعدهم "بانزال العقاب الصارم بهم وخاصة بعد صدور الفتوى الشرعية بالاقتصاص منهم".
وقالت أم سامر التي عادت الى عملها مؤخرا بعدما تركته بسبب صعوبة التنقل في ظل الوضع الامني المتردي انها تركت منزلها الذي كانت تعيش فيه مع زوجها لانها لم يعد بامكانها دفع ايجار المنزل وهي تعيش الان مع ولديها في منزل أهلها "وأهلي وأهل زوجي يساعدونني على العيش".
وتمثل هجرة عدد كبير من الصحفيين العراقيين وجها اخر لمعاناة هذه الشريحة التي قتل العديد من أفرادها منذ العام 2003 وخاصة بعد تزايد رسائل التهديد التي تلقاها عدد غير قليل منهم والتي تتوعدهم بالقتل والاقتصاص منهم وتنعتهم بالخونة.
وكشفت سلمى وهي صحفية تعمل في بغداد لوكالة أخبار كردية أن التهديد الاخير الذي وصلها من خلال بريدها الالكتروني قبل نحو أسبوعين أفزعها مما أجبرها على تقديم أوراقها لممثلية الهجرة الدولية في احدى الدول العربية خارج العراق طالبة اللجوء لاي دولة في العالم.
وقالت سلمى "لم أصدق الامر في البداية وتصورته مزحة ثقيلة من بعض الاصدقاء.. وعند سؤالي لهم اكتشفت جدية الموضوع خصوصا أن بعضهم اخبرني انهم استلموا نفس التهديد من قبل نفس الجهة وفي نفس اليوم الذي وصلني فيه".
وأضافت "حاولت ابعاد الظنون التي جالت في بالي أول الامر... لكن مقتل احدى زميلاتنا (سحر الحيدري) في نفس الفترة أرغمني على لملمة اوراقي والتوجه انا وزميلة لي كانت معي خارج العراق واستلمت هي الاخرى نفس التهديد.. الى منظمة الهجرة الدولية لطلب الهجرة والبحث على مكان امن بعيدا عن العراق".
وكشف عدد من الصحفيين العراقيين عن رسالة تهديد استلموها يوم الاول من الشهر الجاري وهي موجهة الى عدد غير قليل من الصحفيين تتوعدهم بالقتل.
وجاء في التهديد الذي أمكن الحصول على نسخة منه والذي لم يتسن التأكد من صدقيته أن "القيادة العامة للقوات المسلحة المجاهدة تمكنت.. وبناء على معلومات استخباراتية دقيقة (من) تثبيت أسماء الصحفيين الذين يتعاملون مع قوات الكفر المحتلة".
واضاف البيان "اننا اذ نحذر أولئك العملاء من مغبة تعاونهم في خدمة المحتل.. فان القيادة العامة للقوات المسلحة المجاهدة قامت بتوجيه نداء الى المجاهدين بتصفية هؤلاء العملاء.. ونعلن أن دمكم مباح لجميع المجاهدين بعد تماديكم في رسم صورة مثلى للغزاة والتحاقكم بصفوف الكفر داخل المنطقة الخضراء".
ولم يكن بالامكان التأكد من هوية الجماعة التي تطلق على نفسها القيادة العامة للقوات المسلحة المجاهدة.
وعلى عكس ارقام القتلى من الصحفيين العراقيين الذين لا تتوفر الا ارقام شبه دقيقة عنهم فانه لا تتوفر اي ارقام عن عدد الصحفيين الذين تركوا عملهم في العراق او الذين هاجروا البلاد خوفا بسبب التهديدات التي تتوعدهم بالقتل.
ويحاول الصحفيون العاملون في العراق اخفاء حقيقة عملهم عن أقرب الناس اليهم خصوصا اذا كان عملهم في مؤسسة صحفية عالمية وهم يقولون انها جزء من محاولة للبقاء بعيدا عن أعين المليشيات والجماعات المسلحة التي تتربص بهم.
وقالت صحفية عراقية انها تخفي حقيقة عملها وانها رغم عملها في الصحافة منذ ما يقارب سنتين "الا أنني لم أخبر أي أحد من الاصدقاء والجيران عن عملي الا أهلي".
واضافت "انا لا اخاف منهم.. لكني اخاف ان تنتقل هذه المعلومة من خلالهم بطريق او باخر الى مجرم أو قاتل ويحدث لي او لاحد افراد عائلتي ما لا يحمد عقباه".
وتقول انها بسبب هذه الاحتياطات " فانا اخسر قصصا كثيرة يمكن ان تكتب وان يطلع عليها الناس .. فقط لاني لا اريد ان يعرف الناس انني صحفية".
وكشفت احصائيات اعدتها لجنة حماية الصحفيين ان 85 بالمئة من الصحفيين الذين قتلوا في العراق منذ العام 2003 هم من العراقيين.
وتقول الصحفية "الامر الاكثر دهشة هو ان نصفهم (القتلى) يعملون لوكالات صحفية اجنبية".
وحاول حسين العجيلي مدير تحرير وكالة أصوات العراق المستقلة التي فقدت ثلاثة من مراسليها خلال أقل من أسبوعين تفسير استهداف الصحفيين على هذا النحو وقال "علينا أن نعرف أن الصحفي العراقي سواء كان يعمل لوكالة اجنبية أم غير أجنبية هو جزء من الوضع الذي يشهده العراق الان حيث يموت يوميا العشرات".
وأضاف "الا أن القتلة اصبحوا يدركون أن مقتل الصحفي الذي لا هم له الا نقل الحقيقة كما هي.. سيتحول الى قصة وخبر كبيرين من قبل الوكالة التي تقف وراءه او الوكالات الاخرى المعنية.. هدفهم هو احداث ضجة اكبر لعملياتهم".
وقالت منظمة عراقية غير حكومية تعنى بشؤون الصحفيين (مرصد الحريات الصحفية) يوم الاحد ان أعمال العنف في العراق أسفرت ومنذ العام 2003 عن مقتل 197 من العاملين في المجال الاعلامي من بينهم 107 صحفيين.
المصدر / (رويترز(