عندما تستمع إلى خطب زعمائنا ومقابلاتهم، تعتقد للوهلة الأولى أنهم جادّون في أن يكونوا جزءاً من العالم الحر والمتمدن وأنهم ملتزمون بمبادئ الديمقراطية والحرية. ولكن عندما تتابع إعلامهم ستشعر أنك في سوريا أو ليبيا القديمة أوحتى العراق القديم. وبين هذين المشهدين أو الانطباعين تكمن الحقيقة. والإعلام العراقي بشكل عام لم يساهم حتى اليوم في نقل الصورة الحقيقية للبلاد.
قد يكون في هذا شيئ من عدم الإنصاف بحق بعض المسؤلين ولكن هذا هو الإنطباع السائد لمعظم المراقبين للعراق. وكما يقول البعض فإن الإنطباع أهم من الحقيقة. وقد يكون مفيداً أن ننظر إلى الدورة الحياتية للأخبار والبيئة التي تعيش وتموت فيها.
قبل حوالي شهر، ألقيت محاظرة حول الشفافية في عصرنا هذا وما إذاكانت إجبارا أم اختيارا لنا وللمسؤلين. بعد البحث في عدة أماكن عن الشروط القانونية التي تجبر أصحاب المعلومة أن يوفروها للجمهور، تبين لي مايلي:
لو قمت بإجراء بحث تفصيلي في قاعدة بيانات التشريعات العراقية على الانترنيت لوجدت مايلي: ان كلمة "الشفافية" تظهر في أربع نتائج للبحث فقط. كما ان عبارة "حق الحصول على المعلومة" لن تظهر في أية نتيجة. أما لو قمت بالبحث عن كلمة "السرية" فستجد أكثر من مائتي نتيجة.
في هذا الجو من التكتم القانوني على المعلومة الذي نعيش فيه يصبح الحديث عن الشفافية مجرد خطابات وإنشاء، وبالنتيجة تدور أخبارنا حول الكلمات التالية: استقبل الزعيم، ودع الزعيم، زار الزعيم، افتتح الزعيم، وضع الزعيم حجر الأساس إلخ.
وبالتالي يردد إعلام الزعيم "والاعلام الموالي" مايرد من مكتبه الإعلامي ويسمي هذه المعلومات أخبارا ويهمل المعلومات والأخبار التي تهم الجمهور. ومن جهة أخرى يقوم الإعلام "المعادي" للزعيم بإهمال أخباره جملة وتفصيلاً.
كل هذا على حساب إيصال المعلومة الصادقة إلى الجمهور الذي يفترض أن يعيش في نظام يتباهى الزعماء به أمام العالم.
ومن أمرِّ المفارقات أن في هذه البلاد أكثر من عشرين ألف صحفي بحسب احصائيات النقابات، لكن بلادنا لازالت تأتي في مركز عالمي متقدم ضمن إحصائيات الفساد.
وعمليا لن يتحقق أي نوع من الشفافية القانونية أو الوصول إلى المجتمع الذي يحاول زعماؤنا أن يتباهوا به، إلا إذا تم تبني عملية حقيقية للإبتعاد عن الكتمان القانوني والتوجه إلى شفافية قانونية حقيقة. وتكمن نقطة البداية في تبني تشريع متكامل يضمن لكل فرد حق الحصول على المعلومة ويفرض على كل مسؤول أو زعيم أن يوفر المعلومة للجمهور.
وبين الوضع الحالي وهذا الحلم، يتحمل الزعماء وماكيناتهم الاعلامية مسؤولية أن يعوا مخاطر ان تعيش في عالم اليوم، وتتبنى في الوقت نفسه، سياسات الماضي.
عليهم أن يصدروا التعليمات لمدراء إعلامهم بإزالة صورهم وأخبار نشاطاتهم وهواياتهم من الصفحات الأولى ومن مقدمات نشرات الأخبار والتعامل معهم كأية مادة إعلامية أخرى تُحَدَّد أهميتها بمقياس مهني يضع أمام عينه مدى حاجة الجمهور لتلك المعلومة فقط.
وبغياب ذلك، فمهما حاول الزعماء أن يقولوا أنهم مختلفون سيبقون في نظر الجمهور جزءا من الماضي. والفضل في ذلك يعود لهم بالدرجة الأولى ولإعلامهم ومنظريهم ومستشاريهم.