تتحمل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية مسؤولية تاريخية في مكافحة الفساد بجميع أشكاله على اعتبار انها تمثل السلطة الرابعة في المجتمع بعد السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وبالتالي فهي تشكل سلطة شعبية تعبر عن ضمير المجتمع وتحافظ على مصالحه الوطنية.وإذا كانت البطالة والتضخم وانخفاض متوسط دخل الفرد والتلاعب بالأسعار الخاصة بالسلع الاستهلاكية تعبر في بعض الأحيان بشكل أو بآخر عن البعد الاقتصادي لظاهرة الفساد من حيث أن معظم الأسباب المؤدية إلى هذه المشاكل تكون وفق تخطيط اقتصادي يستفيد منه بعض الأفراد، إلا أن الإعلام يجب أن يوضح للناس الفرق بين الأسباب المرتبطة بالتطور الاقتصادي والأسباب المرتبطة بالفساد الاقتصادي، كما أنه في المقابل عليها أن لا تهمل الأنواع الأخرى للفساد ومنها الفساد السياسي والاجتماعي والإعلامي.
فالفساد وإن كان يعمل على زيادة الفوارق بين الطبقات في المجتمع عبر زيادة الفجوة بين الطبقة الفقيرة وطبقة الأثرياء واضمحلال الطبقة الوسطى، إلا أن خطورة الفساد في الجانب الاجتماعي هو إباحة هذه الظاهرة اجتماعياً وتعايش الناس معها في المجتمع على أنها مسألة طبيعية أو أنها كالقضاء والقدر لا يمكن الوقوف ضدها، لذلك فإن الإعلام عليه أن يلعب دوراً في عملية ازدراء الفساد والمفسدين اجتماعياً، وإشاعة ثقافة المقاومة لهذه الظاهرة وأن المجتمع يمتلك قوة الردع لها إذا استخدم الوسائل المناسبة التي يمتلكها.
وإلى جانب الخطورة الاجتماعية لهذه الظاهرة فهناك الخطورة السياسية لها وتحويل العطايا والمتاجرة بالعمل السياسي لمصالح خاصة إلى كونها عملاً مشروعاً تعطى له مسميات عديدة تضفي عليه سمات مقبولة ومن هنا فإن وسائل الإعلام عليها عدم إباحة هذا الفساد واستخدام المصطلحات التي ينشرها المفسدون، ومن ثم تحليلها سياسياً بهدف التعايش معها، ولكن يجب فضحها ووضع التسمية الحقيقية لها وهي كونها «رشوة سياسية».
ونحن نتحدث عن تشخيص الفساد فالسؤال هو ما جدوى تشخيص الفساد إذا لم يقترن بالمحاسبة والعقاب؟ فإهمال السلطات التشريعية والتنفيذية لمحاسبة المفسدين يؤدي حتماً إلى انهيار البيئة الاجتماعية على اعتبار أن الردع غير موجود ويتحول التشخيص إلى حالة من التنفيس لا تهدف إلى إصلاح المجتمع والمحافظة عليه.