مع أن البدايات الأولى الأساسية لعلم الاجتماع العائلي قد اتسعت منذ مطلع القرن الماضي، ألا أن فهم العائلة وضبط السلوك العائلي والتنبؤ بما تؤول أليه المؤثرات فيها ما تزال تخضع لكثير من الاتجاهات الإيديولوجية والتأملات الفردية والاجتهادات الذاتية، رغم خطورة دور العائلة في المجتمع، وضرورات الاعتماد على الخصال العلمية لفهم طبيعة العائلة ووظيفتها وطبيعة العلاقات فيها، وادوار أعضائها وصولا إلى فهم واقع البناء الاجتماعي للمجتمع، ومن هنا لابد أن نحدد دور الإعلام في توعية أفراد العائلة وأبرزهم المرأة بالتأكيد.
أن السفر العلمي في البحث عن ماهية دور الإعلام في توعية المرأة هو اكبر من أن يكون عملا إلى النقل والتواكل، أو التفاؤل بنبوءات مسفة في الخيال، انماهو عمل علمي دقيق له مواصفاته الواضحة ومنهجه المتوازن، وهذا ما جهدنا في سبيله عندما تناولنا جانبا من دور الإعلام في توعية المرأة والفعاليات المتنوعة التي ينهض بها الإعلام في هذا الوقت.
ومن الطبيعي أن يسهم الإعلام في تكوين الوعي المجتمعي للمرأة سلبا أو إيجابا مستعينا على ذلك برسالة الإعلامية التي تحملها الجريدة والمجلة، وتؤديها الإذاعة والتلفزيون، خصوصا التلفزيون الذي أصبح أداة إعلامية خطيرة، يتصل تأثيرها المتزايد بالإعمال الدرامية التي أصبحت تحتل مساحة متميزة من الخارطة الإعلامية، وتلقى التفافا واسعا من الجماهير لمتابعتها ويحدث التأثير السلبي للإعلام عن طريق صياغة وتثبيت وإشاعة الصورة السائدة عن المرأة التابعة سواء في أذهان الرجال الذين تربوا ثقافيا وإعلاميا على أنهم الأقوى والاقوم، أو في أذهان الأطفال الذين تربوا على تمثل الصورة السائدة للمرأة فتتابع أجيالهم المؤمنة بسلامة هذه الصورة وصحتها، ولا يخامرهم الشك في مصداقيتها، سواء أصبحوا رجالا يعيدون إنتاج أيدلوجيا التفوق ألذكوري التي تبقى على وضعهن المتردي، أو يمارسن العادات التي لا تخرجهن من منطقة الهامش الاجتماعي.
ويمكن للإعلام أن يمارس دورا نقيضا لدوره السلبي، وذلك عن طريق صياغة وتثبيت وإشاعة صورة امرأة جديدة، مساوية للرجل، وموازية له في قوة الحضور المجتمعي وفاعلية التأثير السياسي والاقتصادي والثقافي، ويكون ذلك بواسطة التركيز على الرسائل التي تدعم صورة هذه المرأة الجديدة وتبث تجلياتها المختلفة، ملحة عليها، مكررة نماذجها، وذلك بما يعمل تدريجيا على تحول الوعي المجتمعي من صورة المرأة القديمة السالبة التابعة، إلى صورة المرأة الجديدة الفاعلة والمستقلة، وبذلك تتمثل أذهان الرجال صورة مختلفة، سرعان ما تتعود عليها بفعل العادة، والتكرار، وسرعان ما تتقبل التصديق بفعل التأثيرات الإذاعية التي تكتسبها أشكال الرسائل، فتتغير أفكار الرجال التقليدية عن المرأة، وتعدل تصوراتهم السلبية عن حضورها ويغدو الرجال مستعدين للتعامل المتكافئ مع المرأة من غير عقد الهيمنة والتفوق.
ويحدث الأمر نفسه في عقليات النساء في المجتمع، فتندح الصورة السلبية التي ظلت راسخة في لا شعورهن الجمعي بفعل عوامل التثبيت الإعلامي، ويصبحن أكثر سعادة لتقليل لوازم الصورة الجديدة وتبعاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية في الوقت نفسه، وينتج عن ذلك أن يختفي من المجتمع، تدريجيا بالقطع، ذلك الفيلق من النساء المعاديات للنساء،أي الفريق النسائي الذي لا يزال على ثبات المعتقدات الجامدة التي ترى الرجل أفضل من المرأة بإطلاق، ولا ترى في المرأة ألا كائنا تابعا ناقصا مذعنا لا قيمة له أو مكانة بعيدا عن الرجل، خصوصا في الكثير من تجمعاتنا الاجتماعية التي لاتزال فيها المرأة تؤمن بان الرجل هو سورها الوحيد.وهذا النوع من النساء يشكل خطورة على وضع المرأة وصياغة صورتها المجتمعية من الرجال المعادين لتحرير المرأة ومنحها حقها في المساواة والوضع الاجتماعي السياسي المكافئ لوضع الرجل، وما ذلك الإ عدو الداخل أقوى تأثيرا من عدو الخارج، فهو الذي يسبق بالهزيمة وهو الذي يقوض الصفوف من داخلها قبل خوض أي مواجهة، وتزداد خطورة هذا الفريق عندما يتسرب إلى أجهزة الإعلام ويسهم في صياغة رسائلها، ويضيف إلى قيم الهيمنة الذكورية قيم الخضوع النسائي التي هي قيم الاستسلام الكامل لسطوة الرسائل الإعلامية المعادية لحضور المرأة.
ومن المؤكد أن أجهزة الإعلام لايمكن أن تبث رسائل ودية عن المرأة ألا أذا كانت الدولة التي تمتلك هذه الأجهزة مؤمنة بقضية المرأة، مسلمة فعلا أنها نصف المجتمع الذي لا ينبغي تجميده أو الإسهام في تخلفه، ويحدث ذلك عندما تكون سياسات الدولة نفسها لا تعرف تحيزا يمايز بين الرجل والمرأة، أو يضع المرأة في درجات أدنى بكثير من الدرجات التي تضع عليها الرجل.
وإذا أمنت الدولة بقضية المرأة، وراعت في استراتيجيات عملها المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة، وإزالة العقبات التي تحول دون ذلك، يمكن للإعلام الحكومي، في مجالاته المتعددة وأساليبه المتنوعة، أن يبث رسائل ايجابية من شانها تغيير الوعي المجتمعي الخاص فيما يتصل بصورة المرأة الجديدة، وتصفية الأذهان من الشوائب التي تظل عالقة من بقايا الصورة القديمة السلبية.
وإذا تآزرت أجهزة الإعلام التي تمتلكها الدولة مع أدوات الاتصال الجماهيري التي لا تكف عن بث رسائلها الموازية لإعلام الدولة، أو توافقت هذه الأدوات في محتوى رسائلها الموجبة مع الرسائل الموجبة الموازية التي يبثها إعلام الدولة، حدث التقدم الحقيقي الفعال فيما يتصل بصورة المرأة الإعلامية، وفيما يتعلق بمضمون الرسائل المبثوثة على نحو مباشر أو غير مباشر، ومن خلال أجهزة الدولة ووسائل الاتصال الجماهيري الموازية لأجهزة الدولة.
ولكن هذا الوضع المثالي لم يحدث للأسف إلى اليوم، وذلك لأسباب متعددة، أول هذه الأسباب أن الدولة في المجتمعات العربية لم تتخذ بعد موقفا متحدا في ايجابيته من المرأة بوجه عام، ومن عوامل تشكيل صورتها الإعلامية بوجه خاص، فبعض الدول العربية تمنح للمرأة من الحقوق ما لا يمنح في غيرها، ولذلك فان التفاوت بين الصورة الإعلامية للمرأة تختلف من دولة عربية إلى أخرى، نتيجة اختلاف الأوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، الأمر الذي يؤكده ذلك التباين الحاد في صورة المرأة في أجهزة الإعلام العربية من المحيط إلى الخليج سواء على مستوى ظهور المرأة أو عدم ظهورها في أجهزة الإعلام من ناحية، أو إشكال ظهورها وشروطه وأوضاعه من ناحية ثانية، والناحية الأولى تتصل بالدول التي تسمح لأجهزتها بإبراز المرآة المحلية في تلفزيوناتها مثلا، أو تخفي هذه الصورة وتستبدل بها غيرها في حالات كثيرة، والناحية الثانية تتصل بما تتكون به ملامح الصورة على مستوى الملابس، ومستوى السلوك الفاعل وغير الفاعل، ومستوى المشاركة مع الرجل في مواجهة المواقف أو السلبية إزاءها وترك الأمر كله للرجل ويتصل بإشكال الأداء السمعي والبصري في هذا المجال اللغة التي تصوغ صورة المرأة، أو التي تنطقها المرأة في علاقتها بالرجل، خصوصا حين تستخدم من الجمل والمفردات ما يؤكد مكانتها بالقياس إلى هذا الرجل، سواء في حالة حضورها أو حالة غيابها.
أن الحركة النسائية المعاصرة ترى أن الإعلام بشكل عام يعد مسؤولا عن استمرار الصورة النمطية التقليدية لادوار النوع مما ساعد على استمرار الصورة النمطية في الذهن الجمعي.
جورنال عراق