مرصد الحريات الصحفية

مرصد الحريات الصحفية

الصفحة الرئيسية > قضايا ومقالات > حرية الصحافة في...

حرية الصحافة في الدستور العراقي

يعد العراق اليوم أكثر بلدان العالم خطورة بالنسبة للصحفيين حيث تم اختطاف أكبر عدد ممكن منهم.وقتل الكثير منهم واعتقل اخرون، وقد كان الفراغ السياسي في البلاد في اعقاب دخول القوات الامريكية وانتشار وباء المنظمات الارهابية والجماعات التكفيرية المسلحة والميليشيات المتطاحنة قد اثر في ازدياد الانتهاكات التي يتعرض اليها الصحفيون والتي لم ينجح احد او مؤسسة دولية او جهة رسمية في ايقافها او تحجيم اخطارها المستمرة وتشير الارقام المتداولة الى ان الحرب على العراق كانت هى الاكثر خطورة و قتلا بالنسبة للصحفيين منذ حرب فيتنام و التى قتل فيها 63 صحفيا لكن على مدى عشرين عاما (1955-1975). خلال القتال فى يوغسلافيا ما بين 1991 و 1995 تم قتل 49 صحفى أثناء تأدية عملهم كما تم قتل 57 صحفيا فى الجزائر خلال فترة الحرب الاهلية ما بين 1993 و 1996 .


وما تزال ماكنة القتل والخطف تطال الصحفيين والاعلاميين في العراق ضمن موجة التقتيل والارهاب التي تطال المدنيين العراقيين وذلك دونما ادنى اعتبار للمواثيق الدولية او الشرائع السماوية ودون اعتبار للمهمة الخطيرة للصحفيين في نقل الحقائق عما يحدث على المسرح المعاصر لبلاد الرافدين لاسيما وان ذلك يشكل احتراما لحق رئيسي من حقوق الإنسان، الحق في الحياة، والحق في الحرية والتنقل والعمل، والحق في الاتصال والإعلام ونقل الحقائق والمعلومات إلى الرأي العام.


وبذلك تتعرض صورة الحقيقة للتغييب او التحجيم او للحجب، في الوقت الذي يشكل فيه الصحفيون هدفا سهلا للعنف الطائش والنزاعات المسلحة فانهم يظلون المصدر الرئيس والمساهم الفاعل في مصادر المعلومات وتفعيل حق الفرد في الحصول على الحقائق والاحاطة بالمعلومات(حق الحصول على المعلومات والوصول اليها) ومن ثم فان استهدافهم يشكل حجبا لهذا الحق المكفول قانونا.


الارتباط الصميمي بين حقين

ولكن قبل تناول هذا الحق يجدرالاشارة الى ارتباطه بحق الرأي والتعبير ويعد الحق في حرية الرأي والتعبير من حقوق الإنسان الأساسية التي لا تقوم قائمة أي نظام ديمقراطي بدونه، حيث يعني تمتع الأشخاص بالحق في اعتناق الآراء والأفكار والتوجهات التي يريدونها، دون تعرضهم لأي ضغط أو إكراه، إضافة لقدرتهم على التعبير عن هذه الأفكار والتوجهات، باستخدام شتى الوسائل، ودون وجود أي تهديد خارجي، يحد من حرية التعبير ونقل الأفكار والمعلومات بكل حرية.


وهذا الحق في ارتباطه الصميمي والجوهري بالحق في الوصول للمعلومات ونشرها، واعتماده الاساسي عليه يجعل من المستحيل التمتع بالحق في حرية الرأي والتعبير وممارسته بكل حرية، دون أن يكون هناك تداول وتبادل للمعلومات، بحيث يتمكن المواطنون من الحصول على مختلف المعلومات التي يريدون، والمتعلقة بقضية معينة، من مصادرها المختلفة، وبلورة الآراء الخاصة بهم والتعبير عنها، لاسيما حين يتعلق هذا الحق بمصير حياتهم وهندسة مستقبلهم كما يحدث في العراق. ودون توفر جو يسوده الاستقرار والأمن فان هذا الحق يبقى مهددا ومهدورا في ظل فوضى العنف التي تفرغ كل الحقوق من مضمونها وتحيلها الى محض كلمات مطبوعة على صفحات مواثيق جامدة.


وبالطبع ان المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون تضعف من ضمانات تفعيل هذا الحق ومن ثم كان توفير الحماية للصحفيين اثناء حصولهم على المعلومة ضمانة هامة في طريق كفالة هذا الحق.

كما ان قوانين سرية المعلومات والرقابة الشديدة عليها تعمل على اغتيال الحق في الوصول إلى المعلومات والحصول عليها.ويتضافر مع ذلك لامحاء هذا الحق الممارسات البيروقراطية المزعجة التي تصبح حائلا بين الفرد وحقه في عرض المعلومات واتاحتها له وهذا التضييق يرتبط بانتشار الفساد على نطاق واسع وانعدام الشفافية الضرورية لكل عملية تبادل وحصول على المعلومات ويزيد الطين بلة تحجج الحكومات بفرض احكام الطوارىء اثناء الازمات-التي يبدو انها جوهر حياتنا الطبيعية- مما يؤدي الى اهدار حق الفرد وتعليق حرياته على حائط الانتظار اللانهائي كأنها شعار تزييني فحسب.


اذن ينبغي ان يتوفر للاعلاميين بشكل عام هامش كبير من الحرية في الحصول والوصول الى المعلومة ومن ثم نقلها الى الراي العام المحلي او الدولي وبدون ذلك تبقى الكثير من الحقائق في طي الكتمان ويبلغ التستر على الجرائم والانتهاكات اقصاه لا سيما في في تلك الاماكن المقفلة والمعزولة عن الرأي العام العالمي فعلى سبيل المثال لولا تسرب الصور الفاضحة والشنيعة-من مصادر من داخل الحدث- لما حصل في معتقل ابو غريب لما امكن الوصول لحقيقة ما يجري في ذلك المكان وبالتالي يمكن قياس بقية الحالات من الحقائق التي ينقلها الصحفيون للرأي العام ومدى تأثيرها على مجريات النزاع وحقوق الافراد المهدورة والمباحة.



قراءة في المواثيق والصكوك الدولية

تحتوي العديد من المواثيق الدولية على مواد و بنود تكفل الحق في حرية الرأي والتعبير، ومجرد النص على ضرورة حماية هذا الحق يبين مدى أهميته، حيث يعتبر من صلب الحقوق الأساسية التي يجب مراعاتها وضمانها، خاصة وأن هناك حقوق أخرى تعتمد عليه. فالحق في حرية الرأي والتعبير يرتبط بالحق في الوصول للمعلومات، وحرية العمل الصحفي، والمشاركة السياسية، والحق في المعارضة والعمل الحزبي.

ومن أهم المواثيق الدولية التي كفلت هذه الحقوق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. حيث أكدت المادة (19) منه بشكل خاص على أن " لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود والجغرافية".


وأكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي أقر من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966، على نفس الفكرة، حيث نصت المادة (19) على أن:

. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.-

. -لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب أو بأية وسيلة أخرى يختارها

-تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة.


وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:

-لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم

-لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.


وهذا يعني ان هذه الوثائق الدولية على الرغم من أنها تضمن حرية التعبير او الاعلام الا انها تسمح ايضا للدول الاطراف فيها بان تفرض قيودا على ممارسة الحق في حرية التعبير فالصحفيون ملزمون ايضا بمراعاة الالتزام بنوعية ما يكتبون وهو مما يعد ضرورة لاحترام حقوق الغير او للامن الوطني ولمنع افشاء المعلومات السرية، والدول تتمتع بسلطة تقديرية في تحديد المفاهيم التي تشكل هذه القيود وفي الوقت الذي يتمنى المرء أن لاتتعسف الدول في سلطتها التقديرية ازاء ذلك فان على الصحفي مهمة ان يتحرك داخل دائرة الحق او نطاقه المكفول بما يضمن الموائمة بين متطلبات حماية الحق في حرية التعبير ومقتضيات حماية الأمن الوطني وهي مهمة قد تتركه عرضة للمخاطر ولسوء تقدير الدول –لا سيما في العالم الثالث-التي غالبا ما تعامل الصحفيين كجواسيس.


عموما إضافة إلى هاتين الاتفاقيتين، اللتان اشرنا اليهما فقد ظهرت العديد من المواثيق الدولية الأخرى التي أولت أهمية خاصة للحق في حرية الرأي والتعبير، مثل الإعلان بشأن المبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي، وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة العنصرية والفصل العنصري، والتحريض على الحرب، والذي تبنته اليونسكو في 28 نوفمبر 1978، إضافة إلى مبادئ جوهانسبيرغ حول الأمن القومي وحرية الوصول للمعلومات، وقد ركز هذان الإعلانان على حق الوصول للمعلومات بشكل خاص، باعتباره من أهم الحقوق الضرورية لضمان التمتع بالحق في حرية الرأي والتعبير


حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة في الدستور العراقي



قد بات من الطبيعي ان تنص الدساتير على الحق في حرية الرأي والتعبير وبهذا الصدد فقد نصت معظم التشريعات العربية على حرية الرأي والتعبير فعلى سبيل المثال ورد في المادة 48 من الدستور المصري "حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة، والرقابة محظورة، وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور ويجوز استثناء في حالة الطوارئ، أو فرض الحرب أن يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الإعلام رقابة محددة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي وذلك كله وفقا للقانون"


كما نصت المادة 13 من الدستور اللبناني على ان "حرية إبداء الرأي قولا وكتابة وحرية الطباعة، وحرية الاجتماع، وحرية تأليف الجمعيات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون"

ونص الدستور التونسي في الفصل الثامن من الباب الأول على أن"حرية الفكر والتعبير والصحافة والنشر والاجتماع وتأسيس الجمعيات مصونة وتمارس حسبما يضبطها القانـــون".

وفي هذا السياق لم يكن من الغريب ان ينص الدستور العراقي المعروض للاستفتاء في المادة36 منه على ان الدولة تكفل وبما لا يخل بالنظام العام والاداب:

اولا-حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل

ثانيا-حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر

ثالثا-حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون



-ولسنا بحاجة للتأكيد بان حرية التعبير والرأي وحرية الصحافة ووسائل الاعلام لن تكون سوى تعبير خاو دونما تأكيد على الحق في الوصول الى المعلومات والحصول عليها وما يحدث غالبا-وعلى صعيد عملي- هو اهدار الحق الوارد هنا بوضع العقبات دون الوصول الى المعلومات والحصول عليها.

-تحيل الدساتير الى القانون تنظيم هذه الحريات والتخوف الماثل هنا ينصب على ان القوانين الضابطة والمنظمة لحدود هذه الحريات قد تعمل على تضييق هذه الحريات بالضوابط وتقييدها مما يفرغ هذه الحقوق من مضمونها.وقد استدركت المادة 44 من الدستور هذه المخاوف فنصت على ان"لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور او تحديدها الا بقانون او بناء عليه على الا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق او الحرية"

 

-اشار النص الى قيد عام هو عدم الاخلال بالنظام العام والاداب . وقد جرت محاولات عديدة لتعريف فكرة النظام العام وعرفها البعض بأنها مجموعة القواعد التي توفر الأمن للمجتمع، أو على إنها مجموعة المبادئ الأساسية التي تقوم عليها مصالح مجتمع بعينه والتي يشكل انتهاكها عدم قانونية جزائية لفعل قانوني كما يقصد بالأداب العامة مجموعة القواعد الخلقية التي يعتبرها الناس في أمة معينة وفي جيل معين المعيار الخلقي أو الناموس الأدبي الذي يسود مجتمعهم ويضبط علاقاتهم الاجتماعية، ويلتزمون باحترامها ولا يجيزون الخروج عليها باتفاقات خاصةوهي بذلك تشكل الجانب الأخلاقي لفكرة النظام العام، لذلك فهي تندرج فيه ويقال دائما النظام العام والآداب، وهذا القيد (( النظام العام والاداب )) موجود في اغلب دساتير العالم ويتوقف تفسيره على اجتهاد القضاء الذي يجب ان يلتزم بمبدأ عام هو ان السلطة التشريعية لايجوز لها ان تضع قيدا على حرية المواطن من شأنه أن يؤثر على جوهر الحق أو الحرية وهو مانصت عليه المادة 44 التي اشرنا اليها كما تبرز الخطورة في هذين المصطلحين من امكانية سوء تفسيرهما بما يضع قيود على حرية الفرد مما يؤدي الى اهدارها ويساعد في ذلك كون المصطلحين يشيران الى مفاهيم نسبية ومتغيرة في الزمان والمكان فالنظام العام أمر نسبي متغير ومتطور طبقا لتغير وتطور ظروف الزمان والمكان، وما يعتبر من النظام العام في بلد قد لا يعتبر كذلك في بلد أخر، وما كان من النظام العام في زمن ما، قد لا يكون كذلك في الحاضر او المستقبل فالنظام العام في البلاد الإسلامية يجيز تعدد الزوجات في حين يحرمه النظام العام في الدول الغربيةكما أن فكرة النظام العام تضيق وتتسع تبعا للمذهب السياسي والاجتماعي الذي يسود المجتمع، فإذا ساد المذهب الفردي والذي يطلق الحرية الفردية ولذلك لا يقبل تدخل الدولة في أنشطة الأفراد إلا بالقدر الضروري ويترتب على ذلك أن تقل المصالح العامة التي تمثل فكرة النظام العام وضاقت بالتالي هذه الفكرة، أما حيث يسود النظام الشمولي الذي يقدم مصلحة الدولة على مصلحة الفرد، ويدعو إلى تدخل الدولة في مختلف اوجه النشاط البشرى تحقيقا لمصالح معينة ارتفعت تلك المصالح إلى مرتبة المصالح العامة مما يترتب عليها اتساع فكرة النظام العام تبعا لتزايد تلك المصالح أو اتساعها.وبالتالي فان تفسير هذا القيد سيكون رهنا بنوع النظام الحاكم وتوجهاته لايديولوجية. وبشكل عام فان صياغة المادة تجعل حرية التعبير مكفولة ضمن حدود الاخلاق العامة والنظام العام,وهو ما قد يعني عدم ضمانها تماما ً, وذلك لان جميع القيود على حرية التعبير يمكن تبريرها بحماية الاخلاق العامة او النظام العام,ويبقى الامر مرهونا بنوع الحكومة التي تستظل بشرعية هذا الدستور مما يعني ان الواقع العملي هو الحكم الفاصل في تطبيق الحرية التي يكفلها الدستور ووعي الناس بحقوقهم المكفولة وهو ما يتطلب نشر ثقافة قانونية وتعميق وعي الناس بحقوقهم المكفولة قانونا وهو الامر الذي يضع المسؤولية على الاعلام والصحافة في المساهمة في هذه التوعية.


saad_saloom@yahoo.com

 

 

 

  • إذلال" و"فوضى".. هكذا يتلقى الصحفيون العراقيون "منحة" الحكومة!

  • سحب الهاتف والتوقيع على ورقة مجهولة.. صحفية تروي ظروف اعتقالها في السليمانية

  • اعتقال المتهم بمحاولة اغتيال المراسل احمد حسن في الديوانية

  • اعتقال مراسل قناة NRT في اربيل اثناء اداء مهامه

  • قوة أمنية تعتدي على كادر الرابعة في البصرة بتحطيم المعدات والضرب والاحتجاز

  • وزير الداخلية يقاضي الإعلامي حيدر الحمداني بتهمة القذف والتشهير

  • قانون جرائم المعلوماتية: مُفصّل على مقاس السلطة.. ومخيّب لتطلعات الصحفيين

  • تعرض المراسل فاضل البطاط الى اعتداء على يد أمن فندق غراند ميلينيوم البصرة