خلال الاسابيع الماضية جرى استذكار ليوم الصحفيين العراقيين..ففي 15 حزيران 1869 صدرت الـ(زوراء) أول صحيفة عراقية وتم اعتماد هذا التاريخ عيداً او يوما للصحفيين في العراق.. واستذكار هذا التاريخ يدفعنا لاستذكار عالم المسؤولية في إظهار الحقائق والوقائع أمام الرأي العام وتبصيره بما حدث ويحدث..ولماذا وكيف؟ والمساهمة الوطنية في صياغة توجهاته بهذا الشكل او ذاك.. لعبت الصحافة في العراق سرية وعلنية دوراً مشهودا في المسيرة الوطنية العراقية وحاول الحكام الذين تعاقبوا على العراق لجم الصحافة والصحفيين بوسائل شتى، ولقد عانى بعضهم الاضطهاد والفصل والسجن والتشرد والبطالة وغصت السجون الصحراوية بألمع الأسماء الصحفية العراقية ورحل قسم منهم غدراً جراء التعذيب في الأزمنة الممهورة بالبطش ومنهم من ارتقى المشانق من اجل تبديد المظالم التي تقع على العراقيين. كان سجل الصحافة الوطنية في العراق ، ذلك السجل المرتبط بالهوية العراقية،دون تكريس لطائفة ودين وقومية، واليوم تتكرر المأساة ثانية بطريقة اشد واكثر همجية تجاه الكفاءات الوطنية العراقية ومنهم الصحفيين والاعلاميين فلقد خضع بعض الصحفيين للاختطاف والقتل بدم بارد و بوحشية لاشبيه لها واعتبر العراق منذ سقوط النظام من اخطر المناطق في العالم التي تحيط بعمل الصحفي و قامت بعض الجهات العالمية-المحلية المعنية بالحريات الصحفية وبالصحفيين العراقيين وما يجري لهم بتوثيق قتل 259 صحفياً واعلاميا عراقيا منذ نيسان 2003 و20 أجنبياً كما تم اعتقال 60 صحفياً عراقيا واختطاف 65 صحفياً واعلاميا عراقياً وأجنبياً. وتم الإفراج عن بعض الاجانب منهم لقاء فدية مالية عبر مفاوضات تكفلت بها اجهزة مخابرات دولية اخترقت العراق وحدوده و وسيادة دولته ومنظومات امنه واجرت مفاوضاتها على الساحة العراقية بالمباشر او بالوساطات مع مافيات وقتلة متخصصين ، بينما أهمل الصحفيون العراقيون الذين تعرضوا للاختطاف تحت عناء التعذيب بقساوة ووحشية وأصيب بعضهم بعاهات دائمة ولا يزال بعضهم مجهول المصير ، و لم يتم حتى التحقيق المعتاد بتلك الحوادث ومحاولة جمع التفاصيل التي ربما تقود للجهات التي تقف خلفها ، و فقدت عوائلهم أي اثر لهم، وتبخروا كأنهم لم يكونوا قد وجدوا قط..بعد اسابيع على مرور "عيد الصحفيين" تقيم نقابة الصحفيين العراقيين في بغداد حفلا متأخرا للذكرى وسط سيل دماء العراقيين والصحفيين منهم بالذات ومع تجاهل اسرهم وحقوقهم ووسط الـ"زغاريد والهوسات" يعمد نقيب الصحفيين العراقيين وعلى نواح الارامل ودموع الامهات والشقيقات الملفعات بالسواد والايتام، برفع يد المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء امام العالم وعبر الفضائيات ، محييا بأعلى ما استطاع من صوت ((مكرمة منح الصحفيين العراقيين 4000 قطعة ارض سكنية)) عائدا بنا وهو الـ" نقيب" لـ"زمن المكارم والهبات والعطايا" متجاوزا حق المواطنة وواجب المسؤول الذي لا يشكر في ذلك لانه لم "يقتطع" أرضا من إقطاعياته لـ"يجود بها علىالـمساكين من الصحفيين" و كأن دماء الـ(259 حتى آلان) من الصحفيات العراقيات والصحفيين العراقيين، مجرد ماء في ساقية العراق الحالي التي لم ترتو من كل الذي جرى ويجري فيه،وللصحفيين بالذات، وهم يحاولون نقل الواقع والاحداث في بلد اصبح تحت المجهر بفعل الذي حدث ويحدث فيه منذ 9 /نيسان 2003. أن كل ذلك الذي جرى للصحفيين وغيره مما لم يكشف عنه من وسائل التهديد والترغيب والتخويف والاغراءات لم تفل عضدهم اوتقلل جهودهم لاستكشاف الوقائع المأساوية اليومية وما يحيط بها من مشاهد مرعبة دموية لا شبيه لها لتمزيق وحدة العراق وتنال من نسيجه الاجتماعي تحقيقاً لمآرب ومطامع ومخططات دولية –اقليمية لا شأن للعراق وللعراقيين بها. يواجه الصحفي في العراق سواتر ومعوقات وحدود وخفايا لا يرغب اغلب المسؤولين أن تظهر للعلن فهم يعتقدون ان مهمتهم التستر على أوضاع وشؤون مؤسساتهم ودوائرهم التي ورثوها عن نظام ،دمر كل شئ في الحياة العراقية، فأحاطوا أنفسهم بمكاتب "اعلامية" مهمتها تجميل صورة هذا المسؤول القادم من تلك الخانة الطائفية أو تلك الجهة العشائرية أو الحزبية ، فيعتقد شاغل هذا المنصب أو ذاك ان مهمته تنحصر في لجم الأعلام الذي ينقل الحياة الشاقة للعراقي وما يواجهه اليوم وان ما يجب ان يظهر للعلن يجب ان يأتي وقناعاته وتصورات حزبه او طائفته التي انتدب نفسه للحديث بأسمها وعبر المكاتب الاعلامية و"فرماناتها السلطانية الجديدة" فقط. فغدت الاتهامات بـ (الخرق الصحفي) لكل من يسعى في نقل تلك الحياة أو من يتساءل عن جدوى تلك الإجراءات أو من يسلط الضوء على تردي الوضع الامني و الخدمات و فساد الذمم والضمائر المستشري في بلد يقع في مقدمة البلدان التي تعاني منه ، أما كشف المستور والغاطس و وضع الامور تحت مجهر الاعلام وعرض الحقائق والوقائع من أجل التغلب على ذلك فأن هذه من المحرمات في عرف بعضهم والذين يجهلون او يتجاهلون الحراك العراقي الذي يحاول الأعلام نقل صورته الراهنة ، وبات في عرف بعض المسؤولين، الحديث العلني والموثق لما يخضع له المواطن العراقي في بلده من تهجير وتهديد وغدر واغتيال على الهوية ووصل القتل على الاسماء التي تحملها الناس او المناطق التي منها يتحدرون ، ووضعه أمام الرأي العام من أجل أن تتظافر الجهود لإيقافه وتخليص بسطاء الناس من شروره وفتكه فأن ذلك يقع تحت ستار ((التهويل الإعلامي المغرض الذي ألهب الحياة اليومية في مناطق آمنة..لا شيء يحدث فيها !!)). هذا المنطق الذي يريد أن يدفع الامور الى حدودها القصوى ، لا يهمه قطعاً وحدة النسيج الشعبي العراقي بقدر ما يهمه الايغال في الجريمة المترافق بالصمت الاعلامي ، من أجل تمزيق العراق لمآرب اجندات دولية- إقليمية. يواجه بعض المسؤولين في العراق العمل الصحفي والأعلامي الذي لا ينسجم وتوجهاتهم بشكوك دائمة ويصبح الصحفي الحر والمستقل محاطاً بسوء النوايا والتباس القصد جراء عمله وبحثه الدائب عن الحقيقة التي غالبا ما تختفي خلف توجهات تخضع لمشيئة بعض من حملتهم "صنائع الصحفي" الى الحكم التي لعب فيها الأعلام والتلميع الصحفي دوراً هاماً ويكون الصحفي الحر وتوجهاته مصدر ارتياب و خصم لهذا الطرف وذاك من الذين اغرقوا العراقيين ببرامجهم الانتخابية التي ما عادوا يذكرونها آلآن وكانت وسيلتهم عبر جسر الصحافة وأعلامها الى غرفهم الحالية الوثيرة و التي لايصغون فيها إلا للأحاديث الناعمة للنخب المحيطة بهم فقط ، مشيحين وجوههم عن واقع الناس المزري على كافة الأصعدة داعين هذا أو ذاك من المنتفعين الذين تسلقوا المشاهد بخفة القرود وشراسة ولؤم النمور مشاركتهم فتات الوليمة وخبزها البارد ولحمها النيء. أما ذو الضمائر النقية فترى ان كلمتها وصورتها سلاحها الأساس في معركة اعادة صياغة العراق والمساهمة في رسم مستقبله وأمن شعبه ووحدة ارضه والحفاظ على تاريخه وثرواته وطموحهم هو إيصال الأصوات الملتاعة التي تراقب ما يجري في العراق آلآن بذهول والم والتي لم تتوقع ابدا حصادها المر هذا، وانتشال العراق والعراقيين من كل المستنقعات الخطرة التي تحيط بهم وبوطنهم. في يوم الصحافة في العراق والذى مرّ بحزن واسى.. يجب على كل الأطراف المتحكمة في الشأن العراقي والمؤثرة في الرأي العام الدولي القيام بواجبها القانوني والإجرائي والتشريعي للوقوف بوجه الانتهاكات الوحشية التي جرت ولا زالت تجري ضد الصحفيين والسعي من أجل تحقيق الامن والحماية العامة-الميدانية للعاملين في وسائل الأعلام ووضع حد لعمليات القتل والاختطاف والابتزاز والتهديد التي تحيط بهم من جراء عملهم ومواقفهم التي لاتساوم في قضايا وطنهم وشعبهم ومع كل الخسائر الحالية التي وقعت على الجسد الصحفي ومع كل ألأذى المتوقع ومع كل ما جرى وما يجري للصحفيين في العراق فلا يمكن الصمت..لأن العراق و شعبه اثمن ما يمكن الحفاظ عليهما في زمن بات بعض اللاعبين يدفع بهما نحو المجهول.