من الصعب حقا ان يتخذ اي انسان موقفا منحازا ويقف بمسافة واحدة مع جهتين ينتمي اليهما وفق المنظور المهني، وخاصة اذا كانت هاتين الجهتين محل اختلاف على مسألة معينة تخص المهنة نفسها، واي مهنة ؟ مهنة الصحافة او ما يحلو للبعض ان يسميها "مهنة البحث عن المتاعب"، والتي ارفض هذه التسمية قطعا لانها ليست كذلك في حقيقتها، فهي مهنة الحقيقة والبذل والعطاء وكل ما هو سخي حتى اصبحت مهنة الدماء، بل هي مهنة الشارع والوشيجة الازلية بين السلطة وعامة الناس.
وعليه ووفق هذه العقيدة التي قد اكون لم اوفق في وصفها، فانها تستحق ان نبذل من اجلها نحن معشر الصحفيين مهجنا، وهذا ما حصل لاسيما بارض مثل ارض العراق التي اعتادت ان ترتوي بدماء ابنائها ومنهم الصحفيين.
ولكن هذا البذل والعطاء باي صورة يكون وباي صفة، هل بالصفة الرسمية التمثلة بجهة من هاتين الجهتين، ام تتمثل بالجهة التي لطالما تصدت وبشجاعة كبيرة لكل شاردة وواردة يخص العمل الصحفي في العراق ؟ وحينما نقول ان الجهة الثانية هي المتصدية لا يعني اننا نقول ان الجهة الاولى ليست كذلك، انما مقولتنا هذه منطلقة وفق معطيات على ارض الواقع لمستها وعشتها وكنت على تماس معها.
فمن قرأ ما سقته من مقدمة خجولة حاولت بها عدم الانحياز، من الاكيد يعرف اني اقصد الاشكالية التي اثيرت بين مرصد الحريات الصحفية ونقابة الصحفيين، فكنت اتمنى ان لا تصل هذه الاشكالية الى مستوى الاتهامات المتبادلة بين الطرفين على اعتبار ان الجهتين لهما صلة بالعمل الصحفي وبالصحفيين وحسب المثل العراقي الدارج (العضة بلجلال)، ولكن يمكننا مناقشة هذا الامر مناقشة علمية عملية وفق الحق الذي اعطيه لنفسي بصفتي انتمي لهاتين الجهتين اولا، وبصفتي صديقا للقائمين على هاتين الجهتين.
فالذي أؤمن به ان الضابطة الرئيسية التي يجب ان تنطلق من عندها كل اعمالنا هي المصلحة العامة لهذه المهنة التي عانت وبذلت الكثير، وهذه المصلحة لا يمكن ان تصل الى مرحلة القمة بل لا تتقدم خطوة واحدة بدون ان يضع الصحفي الاخلاص والايثار لها حتى لو كان على حساب المكانة والجاه وسلطة المهنة. واعتقد انه بالرغم من الملاحظات الكثيرة التي وضعها جميع الصحفيين (واقولها جازما) على بعض المواقف السابقة والحالية لنقابة الصحفيين، الا انه شئنا ام ابينا تبقى هي الممثلة الرسمية لكل الصحفيين في العراق وخارجه. في المقابل هناك حقيقة لا يحجبها غربال فان مرصد الحريات الصحفية المؤسسة الابرز والاشجع على الاطلاق في مطالبة وملاحقة حقوق الصحفيين والملجأ الوحيد الذي يلتجأ اليه الصحفي في مواقف الضنك التي يتعرض اليها الصحفيين.
ومن هذا المنطلق لا يعقل ان التزم موقف السكوت في المواقف المدافعة عن حقوق الصحفيين التي يتخذها مرصد الحريات الصحفية والتي اوقعت اعضاءه في كثير من الحراجة والخطر، وان اتكلم واقف في طريقه حينما يصدر فكرة انشاء مشروع معين يثبت حق الصحفيين. وهذه ليست عدالة وبعيدة عن الانصاف.
فالمشروع الذي قدمه المرصد بالتعاوزن مع وزارة الداخلية ليس فيه ما يقلل من شأن المهنة اولا، وهو في مرحلة النظر والتمحيص ثانيا. اذن ما هو وجه الاعتراض ؟ هل الاعتراض كون المرصد مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني ؟ ام ان المرصد (كما هو الظاهر) فعل ما لا يمكن لغيره ان يفعله.
ما الذي يدفع نقابة الصحفيين الموقرة ان تقف بوجه المشروع بدافع التمثيل الرسمي ونسف مجهود يصب بصورة مبدئية في مصلحة الصحفي العراقي.
وهنا اوجه كلامي لنقابة الصحفيين المحترمة، اذا كان لمرصد الحريات الصحفية دورا ايجابيا من هذه الناحية فان الادوار الايجابية لا زالت كثيرة وتستطيع النقابة ان تتقمص اكثر من هذا الدور، بل لماذا لا تدعم هذا المشروع وتدعم المرصد ليكون يد العون لها ما دام اعماله هي للصحفيين، اوليس هذا الامر يتطلب قليلا من الايثار والتعاون، واذا كان هو ليس كذلك، اذن لماذا نحن الصحفيين نطالب السياسيين ان يتنازلوا عن امتيازاتهم في سبيل العراق، ولا نستطيع نحن ان نتفق في دائرة الصحافة.
وكذلك اوجه كلامي لكل زملائي الصحفيين واقول لهم، كفانا ايمانا بثقافة المؤامرة فهي لا تؤدي الا الى فتح ابواب لا نرغب بفتحها، ولندع كل من له صلة بهذه المهنة ان يعمل ما يريد ما دامه يصب بمصلحتها. والله من وراء القصد.
*كاتب وصحفي عراقي