اختطاف ومقتل الصحفي سردشت عثمان مثلَ ظاهرة غير مألوفة في اقليم كردستان، الملاذ الآمن للعراق، ومثيرة للاستغراب، وتضع الف والف علامة استفهام امام السلطات الأمنية والحاكمة هناك.
سردشت عثمان،الصحفي الكردي الشاب الذي قال "سأنتظر حتفي وموعد اللقاء الاخير مع قتلتي، وادعوان يعطونني موتا تراجيديا يليق بحياتي التراجيدية"، اصبح الآن من ضحايا حرية الصحافة والتعبير، ولكنه ليس كما تمنى بأن يموت موتاً تراجيدياً الا أنه قتل ببشاعة معلنة دون ادنى خوف من رادع أومن سلطة، وانه لم يقتل بشكل مفاجئ انما بعد ان أنتظر القتل ايام معدودة، وقال "اينما انتهت حياتي فليضع اصدقائي نقطة السطر، وليبدءوا هم بسطر جديد".
عثمان الصحفي في صحيفة (ئاشتينامة) والمدون في عدد من المواقع الالكترونية، هوطالب الجامعي في كلية اللغات بجامعة صلاح الدين، ولم يكمل بعد ربيعه الثالث والعشرين، كان قد تلقى عدة تهديدات -هاتفية والكترونية- بعد كتابته سلسلة مقالات تقترب للسخرية موجهة لسلطة الاقليم، اتصل قبل مقتله بأيام، بمدير شرطة اربيل وأبلغه عن التهديدات بالقتل التي تلقاها، الا أن العميد عبد الخالق قد قال له "ان رقم التلفون الذي هددك قد يكون من الخارج، اوربما بسبب مشاكل شخصية".
سردشت استقبل تبريرات مدير الشرطة بابتسامة ساخرة، وتخيل عما اذا كان الرئيس الفرنسي ساركوزي هوالذي هدده، ولكنه ظل قلقاً،وابلغ زملائه ومؤسسات اعلامية بالتهديدات التي وصلته، وقال "فليحدث ما يحدث، لن اترك هذه المدينة وساجلس في انتظار موتي".
الشرطة عثرت عليه مقتولاً،الخميس الماضي، بعد يومين من اختطافه من مدينة اربيل، وان جثته وجدت في الموصل وعليها اثار ضرب وهي مصابة بأطلاقات نارية في منطقة الرأس.
ما يثير استغرابنا هوان تأتي جهات مسلحة الى جامعة صلاح الدين، وسط مدينة اربيل، قلعة الأمن في أقليم كردستان، وتقوم باختطاف الصحفي سردشت عثمان علنا من أمام جامعته وبوجود المئات من الاشخاص ورجال الامن المنتشرين لحماية مبنى الجامعة والشوارع المحيطة بها،وهذا الشيء غير مألوف في كردستان.
وهوما يعطينا رسالة واضحة بان هناك جهات متنفذة هي التي قامت بخطف وقتل الصحفي عثمان، وهذه الجريمة المنظمة وجهت كرسالة الى الصحفيين الشباب المؤمنين بحرية الصحافة المتكاملة والديمقراطية الراسخة مفادها اننا قادرون على الوصول إليكم وربما النيل منكم وقتلكم، وهذا ما فيه رسالة دقيقة للصحفيين بالاقليم.
وبالتأكيد ليس من السهولة ان تتوفر للجناة كل هذه الاجواء المناسبة اثناء ترتيبهم لجريمة الاختطاف والقتل، دون ان يكون للجهاز الامني (المتشدد) في الاقليم أي دور في استباق الجريمة ووقفها أومعلومات عن المنفذين وكيف استطاعوا ان ينقلوا عثمان من اربيل المحصنة امنياً بعد اختطافه الى محافظة الموصل وقتله والرمي بجثته هناك.
على العموم اذا طلب منا احد ان نحدد المسؤول أونوجه أصابع الاتهام، بشكل مباشر أوغير مباشر، إلى جهة ما فأن مسؤوليين حكوميين وأمنيين في الاقليم سيتهمون بالوقوف خلف جريمة اغتيال الصحفي عثمان بسبب الخلل البّين في عملهم واخفاقهم الواضح في ملاحقة الجُناة أومنع الجريمة، وان تحقيقات أمنية من قبل سلطات الاقليم كفيلة بالكشف عن تلك الجهات التي ارتكبت جريمتها دون رادع، دون ان نفكر بأنتماءها أونفوذها لانها ارتكبت جريمة قتل بشعة ويجب ان تعاقب وتحاكم عليها.
ومع الاخذ بنظر الاعتبار ان اولئك المجرمين ما كانوا ليرتكبوا جريمتهم هذه لولم تهيأ الاجواء والمناخات الامنية التي سمحت لهم بأختطاف الصحفي الشاب سردشت عثمان من وسط مدينة أربيل ومن ثم قتله.
وفقاً لعضوبرلمان كردستان عن قائمة التغيير كاروان صالح، ان هذا الحادث بدا" يثير لدينا شكوكاً بأن هنالك أيادي خفية من داخل المنظومة الأمنية قد تكون متورطة بهذا الحادث".
وخلال الاعوام الماضية،كان صحفيوالعراق يلجأون الى الاقليم عندما يتعرضون لتهديدات مجهولة أومعلنة من قوى سياسية عراقية نافذة ويستقرون هناك، بالاضافة الى استضافتهم للصحفيين الاجانب والمؤتمرات في كردستان، كون جبالها الآمنة تحيط بالمدن وان الامن وقوات الامن يقظة ومستعدة لاحباط اي جريمة منظمة أوعبثية، الى ان تدبيرعملية اختطاف عثمان وقتله توحي لنا بأن الجبال المحيطة بكردستان انهارت ولم تعد ملاذاً آمناً للصحفيين.