في حين يدور جدل ويكيليكس حول حماية الصحفي وحرية التعبير، يجري جدل مماثل في العراق ولكن في بيئة مختلفة إلى حد ما. بيئة تم فيها تهميش شرط أساسي وهام لحرية الصحافة وحماية الصحفيين: الحق في الحصول على المعلومة أو حرية الوصول إلى المعلومة.
لا تزال رؤية الحكومة والجمهور والصحفيين إلى الإعلام رؤية تقليدية وكذلك رؤيتهم للحلول التي يفكرون فيها من أجل خلق بيئة مناسبة لصحافة جيدة في البلاد.
فالمسودات المختلفة لقوانين حماية الصحفيين وغيرها من التشريعات ذات الصلة بالإعلام الموجودة الآن في البرلمان تجتمع في شيء مشترك واحد؛ تنظر إلى الصحفي وكأنه جزء من الجهاز الإداري للدولة وبالتالي يحتاج إلى امتيازات أو تعتبره جزءا من الصراع وبالتالي يتوجب إما حمايته أو تحديده بحسب الجهة التي ينتمي إليها.
فقانون الصحافة في إقليم كردستان، على سبيل المثال، شُرِّع وفي ذهن مشرعيه الصحف فقط - وبشكل أكثر تحديدا المناهضة منها للحكومة!
يحدث هذا ومعظمنا يدعي بأننا، نعيش او نحاول ان نعيش، في ظل نظام ديمقراطي ذو سلطة رابعة قوية – صحافة حرة ومهنية ومسؤولة تعمل على خدمة توفير المعلومة الصحيحة للجمهور. ولا يمكن لصحافة كهذه أن تزدهر إلا في بيئة قانونية وسياسية وثقافية واجتماعية سليمة.
ولو تغلبت الرؤية الحالية في البرلمان وبين صناع القرار لطبيعة ودور الإعلام في العراق سينتهي بنا المطاف مع إطار قانوني يساهم بفصل الصحفيين إلى معسكرين: أحدهما مناهض للحكومة وآخر موالٍ لها؛ صحفيون يهاجمون الدولة بسبب أو غير سبب وآخرون يدافعون عنها بسبب أو غير سبب.
والسبب الرئيسي لذلك هو أن جل التفكير في مستقبل الإعلام يدور حول مفهومي الحرية والحماية أما مبادئ حق الحصول على المعلومات والشفافية تأتي في المرتبة الثانية من أولويات المشرعين و صناع القرار.
صحيح أن حرية التعبير وحماية الصحفي هما ركيزتان مهمتان لصحافة جيدة ولكن السؤال المطروح هنا هو حرية فعل أو قول ماذا؟ والحماية من ماذا أو من مَن؟
فالصحفي دون معلومات مثل الطبيب الذي يحاول أن يعالج المريض الراقد أمامه وغير مسموح له بأن يلامسه أو يسأله أو يأخذ أي عينات منه لغرض الاختبار أو فحص أي جزء من جسمه.
كمثل الطبيب الذي لا معلومات لديه، يقوم الصحفي إما بإسداء النصائح غير المبنية على أي أساس علمي أو معلوماتي أو أن يقوم بهاجمة أو إهانة المؤسسة أو الشخص المعني بالموضوع وبالتالي ارتكاب القذف أو التشهير. الشيء الآخر الذي يقوم به الصحفي المجرد من المعلومة هو التكهن والوقوع في مطب ارتكاب الخطأ وبالتالي خطر ارتكاب القذف أو التشهير أيضا.
وكل هذا سيكون على حساب وعي الجمهور ومعرفته بما يجري حوله بل ويقلل من أهمية دور الإعلام وبالتالي يقوض أي جهود حقيقية لبناء نظام ديمقراطي.
لو تأملت في خريطة سياسية للعالم وأشَّرت البلدان الأكثر ديمقراطية والأقل فسادا والأكثر شفافية، لوجدت أن هناك عاملا مشتركا آخر يربط بين هذه البلدان - جميعها تتمتع بقوانين تكفل للجميع حق الحصول على المعلومة. حوالي 85 بلدا لديه هكذا قانون – السويد هو من أول البلدان التي شرعت قانون الصحافة في عام 1766 والأردن هو البلد العربي الوحيد الذي شرع قانون حق الحصول على المعلومة ولكن لا تتجاوز القضايا المحالة إلى القضاء بحسب هذا القانون أصابع اليدين.
وباختصار فالتشريع هو مجموعة من القواعد التي تضمن حق الوصول إلى المعلومات التي تملكها الدولة. وتؤسس إجراءات قانونية تكفل "الحق في المعرفة" يمكن عن طريقها أن تقدم الطلبات للحصول على المعلومات الموجودة بحوزة الحكومة بلا مقابل أو بأقل كلفة ممكنة، باستثناء المعلومات التي تعرض حياة الآخرين للخطر.
بالرغم من أن لدينا ضمانات دستورية لحق الوصول إلى المعلومة في العراق، يبقى هذا الحق حبرا على ورق إن لم تشرع قوانين محددة تفسر وتضع آلية استخدام هذا الحق. ولن يعني قانون كهذا أي شيء إذا لم يتم استخدامه أو اللجوء إليه من قبل الجميع.
تنظيم عمل وسائل الإعلام أصبح من أولويات صناع القرار والمشرعين ووسائل الإعلام والمجتمع المدني. الأجدر بالجميع التفكير بنظام يوفر المعلومة للجميع. نظام كهذا سيكون أفضل وسيلة دفاع وحماية للجميع.
فسيضطر القادة والمسؤولون أن يكونوا أكثر شفافية وانفتاحا على الجمهور ووسائل الإعلام. وستضطر وسائل الإعلام أن تصبح مهنية أكثر وأن تتعامل بمسؤولية أكثر مع ما لديها من معلومات للجمهور الذي سيصبح بدوره أكثر وعيا وأكثر إلماما بما يجري حوله وأكثر قدرة على اتخاذ القرار الصحيح.
حينئذ فقط، تصبح مصطلحات حماية الصحفي و حرية التعبير مفاهيم ذات معنى واضح في ديمقراطيتنا الناشئة!