بغداد: بول فون زيبلبوير
ظل أحمد الكربولي مراسل محطة التلفزيون البغدادية في مدينة الرمادي العنيفة يتجاهل رسائل التهديد بالقتل حتى قام ستة أشخاص بقتله بالرصاص بعد صلاة الظهر.
وكان الصحافي الرابع الذي يقتل في العراق خلال سبتمبر الماضي لوحده من أكثر من 130صحافيا منذ غزو 2003، والأغلبية منهم هم من العراقيين لكن في هذه الأيام لا يأتي التهديد على حياة المراسلين العراقيين من أشخاص يحملون بنادق فقط بل حتى من أولئك الذين يحملون مطارق بناء.
فتحت مجموعة من القوانين الجديدة أصبحت السخرية من الحكومة أو مسؤوليها جريمة، وبعض هذه القوانين أخذت من قوانين صدام حسين، وتم حتى الآن توجيه التهم لما يقرب من عشرة صحافيين للإساءة إلى مسؤولين عبر كتاباتهم خلال السنة الماضية.
وحاليا تجرى محاكمة ثلاثة صحافيين يعملون لصالح صحيفة صغيرة في جنوب العراق لكتابتهم مقالات السنة الماضية يتهمون فيها المحافظ والقضاة المحليين ورجال الشرطة بالفساد. واتهم هؤلاء الصحافيون بتجاوزهم للفقرة 226 من قانون العقوبات الذي يجعل أي شخص «يهاجم علنا» الحكومة أو المسؤولين، ومن المتوقع أن تصدر أحكام بالسجن ضدهم تصل إلى سبع سنوات.
وفي 7 سبتمبر طوق رجال الشرطة مكاتب فضائية العربية المتمركزة في دبي بسبب ما اعتبرته الحكومة نشر تقارير تشجع على زيادة الاحتقان والشغب. وقالت لجنة حماية الصحافيين إن هناك ما لا يقل عن 3 صحافيين قد قضوا فترات محكومياتهم في السجن لكتابتهم مقالات اعتبرت مهينة للمسؤولين.
ورفض لاحقا مكتب نوري كمال المالكي رئيس الوزراء العراقي التحدث مع وكالات الاخبار التي تكتب عن العنف الطائفي بطرائق تعتبرها الحكومة مثيرة للشغب بل وتم إغلاق بعضها.
إضافة إلى الضغوطات الحكومية تم اختطاف عشرات الصحافيين على يد عصابات إجرامية أو تم توقيفهم من قبل الجيش الأميركي، لشبهة أنهم يساعدون المتمردين السنة أو الميليشيات الشيعية. وأحدهم هو بلال حسين الذي صور متمردين في محافظة الأنبار لوكالة «اسوشييتد بريس»، إذ اعتقله الجنود الأميركيون منذ أبريل الماضي بدون توجيه أي تهمة ضده.
كذلك فإن كل الصحافيين العراقيين يعيشون تحت الخوف من القتل والذي يتطلب في الغالب اتخاذ إجراءات أمنية صارمة. وقال عبد الكريم حمادي مدير قسم الأخبار في محطة العراقية التلفزيونية إنه يظل أحيانا لأشهر داخل المبنى بدون أن يخرج منه قط.وأضاف حمادي «كانت المرة الأخيرة التي ذهبت فيها إلى بيتي هي قبل ثلاثة أسابيع. وقبل ذلك قضيت ثلاثة أشهر في العمل. كنت أضرب كرسيي بسبب غضبي. لكني الآن حصلت على كرسي جديد».
وفي ظل حكم صدام حسين كان الصحافيون والمحررون يحملون ترخيصا ويراقبون بدقة. وحتى كتاب الطابعة كان يتعين عليهم التسجيل لدى الحكومة. وخلال تلك الفترة افلح بعض الصحافيين في الافلات من الادانة ذلك ان مقالاتهم حول مشاريع المياه الجديدة للحكومة أو النصر في الحرب مع ايران كانت ذات نزعة وطنية.
وقال شهاب التميمي (73)، الذي يترأس اتحاد الصحافيين العراقيين «لم امدح صدام نفسه ابدا. ولكنني اثنيت على المشروع من اجل خير البلد».
وما يزال الصحافيون العراقيون في الوقت الحالي يعملون بحريات واسعة، على الأقل بالمقارنة مع صحافيين في دول مجاورة، وقد حقق كثير من العراقيين مستوى جديدا من الكفاءة المهنية عبر العمل على نحو وثيق مع صحافيين غربيين. ولهذا فانه على الرغم من الضغط الحكومي فقد اصبحت وسائل الاعلام أكثر جرأة.
غير ان الحدود الأخلاقية غالبا ما تكون غائمة. فقد كشف العام الماضي عن ان مجموعة لنكولن، وهي شركة علاقات عامة أميركية تعمل لصالح وزارة الدفاع، دفعت لصحف عراقية مبالغ من المال لنشر مقالات ايجابية حول الوجود الأميركي هنا وقدمت مساعدات مالية لصحافيين عراقيين مقابل تعامل ايجابي تجاه ما تريد.
ويواجه الصحافيون العراقيون المصاعب وعرض عدد منهم للقتل. فمنذ أن بدأت الحرب تعرض ما يزيد على 130 صحافيا معظمهم من العراقيين الى القتل والضرب والتعذيب حتى الموت وفقا لمؤسسة مرصد الحريات الصحافية، وهي مجموعة تدافع عن حقوق الصحافيين المحليين، بينما سجلت لجنة حماية الصحافيين، التي تسعى الى ادلة أوسع للتوثق من حالات القتل، مصرع 79 صحفيا و28 من العاملين في المجال الاعلامي، كان معظمهم يعمل لصحف ومحطات تلفزيونية محلية.
وقال حبيب الصدر، المدير التنفيذي لشبكة الاعلام العراقية التي تمولها الحكومة، وهي أكبر مؤسسة اعلامية في البلاد «لا تفاجأوا اذا ما استيقظتم يوما لتجدوا أنني أنا نفسي قتلت». وفي قاعة مقر الشبكة هناك واجهة عرض تحمل صور 13 من الصحافيين ممن قتلوا وهم يؤدون مهماتهم منذ عام 2003، وبينهم امجد حميد، مدير قناة العراقية التلفزيونية.
وقال الصدر في مقابلة اجريت معه في مكتبه مؤخرا ان «الطريق الى الديمقراطية ليس ممهدا. انه مليء بالقنابل».