التقنيات الحديثة والقنوات الإخبارية المتخصصة ساعدت في بروزهن.
بدأت كاميرات التلفزيونات العربية والأجنبية بالدوران لتغطية المعركة الدائرة رحاها منذ ما يفوق الأسبوعين في لبنان، ومعها بدأت المنافسة بين الصحافيين لتغطية الحدث الأكبر، إلا أن ما تلتقطه الكاميرا لا يمكنه الا أن يتجاوز ناقل الحدث ليطغى الجانب المهني على أية اعتبارات أخرى فيما تظل تساؤلات أخرى حبيسة ذهن المراسل منها احتمال أن يكون المراسل الصحافي احد ضحايا الحدث ناهيك عن أن يكون بلده هو الحدث كما هي الحال في لبنان.
وفي حين اعتادت أذن المتلقي العربي على الجمل المكررة من قبل مذيعي الأخبار «معنا مراسلنا من بيروت ليطلعنا على كافة المستجدات» بدأت تتسلل للأذن العربية تلك الجملة مشفوعة بتاء التأنيث لتطرح أسئلة حول كيف ومتى ولماذا؟ مراسلة! في وقت ساوت فيه الحرب الأبنية العالية بتراب الأرض وبالرغم من وضوح مهمة المراسل الصحافي أثناء التغطية من خلال «التركيز على الهدف من القصف وتحديد اتجاهات المعركة وحجم الدمار والإصابات»، كما أوضحت نجوى قاسم مراسلة قناة العربية الإخبارية لـ «الشرق الأوسط»، إلا أن جانبا آخر من حياة المراسلات تلفه عتمة الحرب في طريقها ليس أهمها الحرمان من النوم على مدى الأربع وعشرين ساعة في ظل وجود تهديد باغتصاب الحياة. وكان الجنس اللطيف اول من دفع الثمن في هذه الحرب، حيث كانت الصحافية اللبنانية ليال نجيب ابنة الـ 23 عاما اول ضحية اعلامية عندما قتلت بصاروخ اسرائيلي سقط بالقرب من سيارة الاجرة التي كانت تقلها في الاسبوع الماضي. وعلى الرغم من اختلاف النتائج السياسية والعسكرية بين حرب وأخرى إلا أنها وبحسب قاسم «على الرغم من صعوبة المعركة الدائرة حاليا إلا أن مفهوم الحرب واحد كونه يحمل معاني التخريب والدمار ناهيك عن التهجير»، ويأتي ذلك تحت مظلة أسباب يرى منظرو الحرب أنها كفيلة بإجازتها، ولأن مفهوم الخبر العاجل على شاشات التلفزة لا بد أن يحمل ضمنيا معلومة قيمة تؤرخ لحجم الآلة العسكرية نسبة إلى حجم الدمار يبقى المواطن العادي المتضرر الأكبر أسفل الصورة في الإعلام المرئي إلا أن قاسم ترى: «المدنيون هم العنوان الأبرز في الحرب بالرغم من أننا كمراسلات نفكر في الآلة العسكرية والهدف من الحرب كونها أدوات تعمل على إعادة صياغة حياة بمفهوم جديد يدفع ثمنه آخرون».
وفي زمن الحرب التي لا تميز بين بشر وحجر، تكون إصابة عين المحارب بالعمى ضرورة حرب. الأمر الذي تذوب معه كل الفروقات تحت طائلة الخوف والقهر ليصهر الكل تحت مظلته، تقول ريما مكتبي وهي مراسلة لقناة «العربية» في لبنان كذلك «لم أشعر بوجود أي فروقات كوني الفتاة الوحيدة بين مجموعة شباب لأن الفيصل في عملنا هو المهنية وهو ما دعاني للموضوعية في التحفظ على الأخبار غير الموثوقة برغم بحثنا عن السبق كخبر إسقاط الطائرة الإسرائيلية التي تبين في ما بعد أنها جسم غريب»، وفي مقابل تغليب المهنية والبعد عن تصنيف المراسلات وفق معيار الأنوثة والذكورة الذي يحكم المجتمعات العربية، تطل التفاصيل الصغيرة ليوميات كتيبة المراسلات الحسناوات بوجهها القبيح لتؤكد مجددا فكرة المساواة في الحرب.
وعلى الرغم من حرص كثير من المراسلات على تأمين أنفسهن إلا أن واقع الحال يفرض نفسه بشكل فج حين تجبر على دخول المواجهة بصفة شخصية في محاولة للاطمئنان على ذويك، وتعلق على ذلك نجوى قاسم «مجزرة الدوير أول مخلفات الحرب الإسرائيلية ولسوء الطالع كانت ابنة أختي تمضي إجازة الويك اند عند بيت جدي وبصعوبة بالغة تمكنا من احضارها لبيروت»، فيما تبرز المفارقة العجيبة لإذاعة خبر عن عدد المفقودين ربما يكون بينهم أحد الأقرباء تقول ريما مكتبي «معادلة من الصعب حلها أن تكون تحت ضغط الخوف والقهر والمطلوب التهيؤ للبث المباشر لتذيع نبأ عن قصف يتعرض له كفر شوما الذي ولسوء الحظ يعد عمي أحد ساكنيه».
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد في كم المواقف الصعبة التي تواجه مراسلات الحرب، التي تتأرجح كفتها بين البعد الإنساني والمهني، إلا أن ما يزيد الأمر صعوبة كون المواجهة مع عدو فاقد للتمييز، تقول كارولين البعيني مراسلة قناة أبو ظبي الفضائية «اسرائيل لا تميز بين صحافي وغيره وهذا ما يزيد الأمر سوءا»، وفي ظل المعايشة اليومية للموت تحت نيران القصف الإسرائيلي تبرز الحاجة لتأمين المراسلة الصحافية التي تخرج من بوتقة الأنا لتشمل طاقم العمل بأكمله تقول مكتبي «زيادة على الضغط النفسي الذي تخلقه عصبية الناس في هكذا مواقف نتحمل نحن كمراسلات مسؤولية فريق العمل بكامله كوننا نختار المواقع التي نصور فيها».
«إلا أن خريطة الاستهداف الواسعة التي شملها القصف ولا يزال» كما أوضحت قاسم صعب من مهمة المراسلات الصحافيات تقول نجوى «هذه الخريطة بمثابة رسالة تلقاها كل اللبنانيين بما فيهم الصحافيون ومفادها أننا محاصرون مما شكل عائقا كبيرا في الوصول لمناطق الحدث»، ومن جهتها تؤكد البعيني «على الرغم من حجم المخاطر تظل تغطية الحدث واجبا وطنيا يفرض نفسه وبقوة»، كل ذلك تقابله تساؤلات تجول في ذهن المراسلات تتراوح بين أهمية التعرض للموت بشكل يومي والضغط النفسي الذي يصل حد الإزعاج في طمأنة الأهل تقول مكتبي «كثرة اتصالات والدتي للاطمئنان تسبب لي الكثير من الإرباك أثناء تأدية عملي وفي المقابل لا أستطيع حرمانها من أن تكون أماً».
ولا يختلف الأمر كثيرا مع كارولين التي لم تمنع نفسها من الاتصال بأهلها لتخبرهم بمدى حبها لهم وهي ترى تساقط البنايات في الضاحية الجنوبية أثناء تغطيتها للحدث، فيما ترى نجوى قاسم ان التلفزيون ليس وسيلة جيدة للكذب بالنسبة لمراسل صحافي فـ«التلفزيون يفضح أماكن وجودنا إلا أن اعتياد الحرب خلق لدينا نحن اللبنانيين مناعة تساعدنا على تحسس مناطق الخطر وقوة القصف»، وبين قبول المجتمع للحماسة الزائدة في تغطية أحداث الحرب من قبل المراسلين الذكور تطل علامات التعجب والاستفهام كالإشارات الضوئية في محاولة لفهم ما اذا كانت المسألة تستحق التضحية، خاصة أن محور الحديث شابات لا ينقص إحداهن الحسن ناهيك عن المهنية العالية.
تقول نجوى قاسم «لا أخوض تجربة المغامرة دون حسابات مسبقة، خاصة أنني تعلمت من تجارب سابقة أن الحرب مرادف حقيقي للموت لذلك أعمل على تأمين نفسي والفريق الذي أعمل معه»، وتضيف القاسم «هدف الإعلاميين أثناء تغطية المناطق الساخنة ايصال صوت الناس وقمة الحياد الآن أن أوصل صوتا من بلدي».
بروز المراسلات الصحافيات في هذه الحرب بشكل خاص الذي لقي اهتماما كبيرا وأثار علامات تعجب طرحت تساؤلا حول كيف يمكن لفتاة الوقوف في منطقة عسكرية؟ وجده البعض أمرا مألوفا يقول سامر حمزة مستشار مركز الأخبار بقناة دبي الفضائية التي تعرضت أغلب مراسلاتها للقصف مثل شروق الأسعد في شمال اسرائيل وعلياء ابراهيم في الجنوب اللبناني ولم يكن آخرها تعرض المراسلة سلام خضر للقصف في أحداث الضاحية الجنوبية ببيروت «بروز الصحافيات ليس جديدا كون الوجه النسائي بالصحافة التلفزيونية موجودا منذ فترة طويلة ومن الصعب حصر الأسماء، إلا أن توفر تقنيات البث المباشر أتاح فرصة الظهور للمراسلات في المناطق العسكرية»، مشيرا إلى دور المتلقي الذي بات مسمرا أمام الشاشة طوال الأربع وعشرين ساعة.
وأرجع حمزة عدم الانتباه لوجود مراسلات في حرب 1996م «أيام العدوان الإسرائيلي في لبنان 96م كنا نقوم بالتسجيل في مواقع الأحداث لنتمكن من كتابة تقرير واحد حين كان على المتلقي متابعة نشرة إخبارية واحدة من داخل الاستديو تجمل له أحداث اليوم».
من جهته أكد نخلة الحاج مدير الأخبار بقناة العربية عدم وجود فروقات في التعامل مع المراسلين في المناطق الساخنة وفق معيار الأنوثة والذكورة إلا في حالات معينة موضحا «بعض المناطق في العالم يؤخذ فيها هذا الاعتبار كون الرجل يتمتع بسهولة أكبر في التنقل وبإمكانه تدبير نفسه والتكيف مع الأوضاع الصعبة بشكل عملي أكثر»، واضاف قائلا «بالنسبة للوضع الحالي في لبنان كان من الطبيعي أن تتم تغطية الأحداث الجارية من قبل مراسلات العربية الموجودات هناك مثل ريما مكتبي ونجوى قاسم التي سبق أن قامت بتغطية أحداث العراق إلى جانب مراسلة العربية ريما مصطفى التي تغطي الجانب الآخر للحرب في شمال اسرائيل»، مشيرا إلى كم الصعوبات التي يلقاها المراسلون هناك.