العراق ،بغداد، - تبث محطة تلفزيون عنوان بارز يشير "بأنّ الميليشيات الإرهابية" اقتحمت بيت عائلة سنّية في البصرة، وقتلت رجلا أمام زوجته وأطفاله. وتبث المحطة الأخرى بأنّ الشيعة في ضاحية من بغداد يهاجمون بقسوة من قبل المتطرّفين السنّة وتناشد قوّات الأمن لإنقاذهم.
أجهزة إعلام العراق المزدهرة هذه، المملوكة من قبل الأحزاب السياسية - الشيعية، والكردية والسنّية والتركمانية – تبث الأخبار بميل طائفي بالتأكيد. ويخشى بعض المحلّلين من إن هذه المحطات تعمّق الانقسام الطائفي في الوقت الذي تحتاج البلاد فيه للتوحد من اجل كبح جماح العنف الطائفي.
يقول جون بي الترمان من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، الذي يدرس ويراقب أجهزة الإعلام العربية." أعتقد انه من غير المجدي إن يكون عندهم محطات تركز على الفروق بين العراقيين،
المحطات التلفزيونية الحرّة في العراق منعت لعقود أيام حكم صدام حسين، حيث كان يشاهد أكثر العراقيين محطتان فقط - واحدة مدارة من قبل النظام والأخرى مملوك من قبل ابنه عدي. في ذلك الوقت، كانت القناة الفضائية العراقية تبث الدعاية إلى العالم العربي. القليل من مؤيدو نظام صدام و المؤتمنين فقط والأغنياء فقط سمح لهم بامتلاك صحون القمر الصناعي ويمكنهم التقاط الأخبار من العالم الخارجي.
منذ غزو العراق عام 2003 بقيادة الولايات المتحدة، أنشأت أكثر من أربع وعشرون محطة عراقية تتنافس فيما بينها لجذب المشاهدين. ومنها المحطات الموجه إلى الشيعة، والسنّة، والمسيحيين، والأكراد، والتركمان ،بالإضافة إلى واحدة مملوكة من قبل الحكومة..
العديد من العراقيين ألان يمتلكون الصحون ألاقطة ويستطيعون مشاهدة محطات التلفزيون العربية الكبيرة ،مثل الجزيرة والعربية. والحرة، وهي المحطة المموّلة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، والتي لها قناة محليّة خاصّة للعراق والتي تعرض تغطية إعلامية واسعة من داخل البلاد.
من بين المحطات الأكثر شعبية العراقية الحكومية ، والشرقية المملوكة من قبل سعد البزّاز، الرئيس السابق للإذاعة والتلفزيون أيام حكم صدام. وكان البزّاز قد هرب من العراق قبل سنوات سقوط صدام وعاد بعد أن انهيار النظام.
برمج الشرقية مكتظة بالمسلسلات التلفزيونية العراقية، بعض العروض جديدة والأخرى بالأسود والأبيض التي تعود إلى الستّينات. وتذيع المحطة الموسيقى - وتقارير أخبارها محايدة نسبيا.
لكن الحال ليس كذلك بالنسبة للعديد من المحطات الأخرى . إنّ المثالين الأكثر وضوحا هما : الفرات، المملوكة من قبل أكبر حزب شيعي، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق؛ وتلفزيون بغداد، المدار من قبل الحزب العربي السنّي الرئيسي. وكلاهما يبثان الأخبار بلا خجل والتي تستهدف ترويج مصالح جالياتهم الدينية. النساء من المذيعات في كلتا المحطات يلتزمان بالزى الإسلام الصارم، مع إظهار أيديهن ووجوههن وتبرز كلّ محطة معاناة جاليتها الدينية على يدي الآخرين.
ومن المحطات الأخرى المسار، المدارة من قبل منظمة من حزب الدعوة الشيعي و أشور محطة مسيحية ؛ وبلادي لحزب الدعوة الإسلامي؛ وقناة الحرية الكردية المدارة من قبل حزب الرّئيس جلال الطالباني ؛والتركمانية للأقلية التركمانية و النهرين ، المملوك من قبل رجل الأعمال المليونير المصري نجيب ساويريس. هذه المحطات مرتبطة بالمجموعات الدينية والعرقية المتحزبة في العراق وتوفر مجالا لعرض وجهات نظرهم بدون مشقة الاعتذار للأخر.
ويقول محسن الحكيم مدير العلاقات العامّة في الفرات. "إن الشيعة اضطهدوا لمدّة 1,400 سنة ومنعوهم من السلطة بالقوة والظلم، بالرغم من أنّهم أغلبية، "اليوم، لا نطلب المزيد من حقوقنا ونطالب بحقوقنا من خلال المبدأ الديمقراطي.
أما نائب مدير تلفزيون بغداد، ثائر أحمد، فيقول ان محطته تمثّل وجهة نظر عموم العراقيين عموما، ونحن نبث معاناة العراقيين جميعا بدون تفريق.
وقال الحكيم إن العاملين في الفرات وعددهم ـ300 شخص كلهم منّ الشيعية ماعدا واحد كردي أما ثائر أحمد يتفاخر بأنّ موظفي محطته الـ90 بينهم العديد من الشيعة بدون إعطاء عدد محدد أو ما هو عملهم.
وهاتين المحطتين مازالتا تحاولان مس مشاعر جالياتهم الطائفية بعناية. تقع مكاتب الفرات في الكرادة، وهو حيّ مسيحي شيعي مختلط على الجانب الشرقي لنهر دجلة.و يذيع تلفزيون بغداد من غرب بغداد السنيّة في الغالب. أيّ من المحطتين لم ترسل أي من صحفييها لتغطية الأحداث في مناطق الطائفة الأخرى بسبب خوفهم من الهجمات.و كلاهما ّ يعتمدان على تقارير وكالات الأنباء.
السبق الصحفي الأكبر لتلفزيون بغداد كان هو إطلاق صراح الصحفية الأمريكية جل كارول في مارس/آذار الماضي ،والتي اختطفت من قبل المسلحين السنّة لمدّة 82 يوم. وظهرت الرهينة السابقة على المحطة وهي تلبس وشاح رأس إسلامي بعد فترة قليلة من إطلاق صراحها.
في تقارير الأخبار، تستعمل المحطات كلمات ترمز للمسلحين من الطائفة المنافسة.حيث يتكلّم تلفزيون بغداد عن "ميليشيات إرهابية، "وهو مصطلح فضّل من قبل السنّة لوصف المجموعات الشيعية المسلّحة مثل جيش مهدي ومنظمة بدر.وتشير الفرات إلى التكفيريين وتعني به المتطرّفين من السنّة الذين يهاجمون المدنيين الشيعة. كما أذاع تلفزيون بغداد مؤخرا تقارير عن الهجمات ضدّ السنّة في المدينة الشيعية في الغالب البصرة، وبثت على الشاشة الكلمات التالية: "صبرا يا شعب البصرة" وتبث الفرات دائما لقطات تظهر جثث ممدة في الشوارع بعد حدوث انفجار. وتبدأ الكلمات بالظهور على الشاشة: "أنهم يستهدفون الأبرياء. ويستهدفون الأماكن المقدّسة. لا للإرهاب. إنهم الجهلة. إنهم الصداميون هذا الإرهاب، وليس مقاومة".
ويتفاخر الحكيم قائلا "نحن محطات آية الله العظمى،ويزاد فخره بأنّ الفرات كان المحطة الوحيدة التي سمح لها بتصوير رجل الدين آية الله علي السيستاني، في منزله في النجف أثناء اجتماع طارئ بعد قصف ضريح شيعي في سامراء في فبراير/شباط الماضي.
بينما تحاول الحكومة الجديدة تخفيف التوتّرات الطائفية،يبحث بعض المسئولين عن كيفية تنظيم عمل المحطات التي تشجّع على الانقسامات الطائفية - بدون اللجوء إلى سيطرة الدولة القاسية حسب أسلوب صدام. ويقول رجل دين الشيعي خالد العطيّة، نائب رئيس البرلمان،أن أجهزة الإعلام لا يجب أن تكون تحت سيطرة الدولة كما كانت تحت حكم صدام لكن يجب ان تكون هناك بعض التعليمات.إن الوضع ألان هو حالة من الفوضى ونحن بحاجة الى سن قانون ينضم العمل الإعلامي.
كتابات - ترجمة / كهلان القيسي