الكلمة الحرة الصادقة هي الرسالة الوحيدة التي يحملها الصحفيون والاعلاميون في حياتهم العملية والمهنية وهي بحد ذاتها تعبير عن القيمة العليا للِصدق والامانة والضمير الحي، لذلك اصبحت تلك الكلمات التي تحمل تلك المعاني سهما خارقا او بالتعبير المجازي ( قنبلة موقوتة) تؤرق الحكومات والانظمة لأنها تعطي الوصفة الحقيقية لحجم المعاناة التي يعيشها المواطن وتبرز ظاهرة التجاوزات والحقائق التي تكشَف امام الجميع.
قد تكون ظاهرة التجاوز على الصحفيين والاعلاميين ليست جديدة بالقدر الذي يحصل الآن، ولكن مايحصل في العراق من استهداف وإساءة متعمدة لهؤلاء، فضلا عن التصفيات الجسدية من قبل الجماعات المسلحة لهم، دليل على انهم في الخط الامامي الذي يكتنفه الخطورة، لذلك يجب ان تكون هناك آليات وطرق للحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي تعبر عن مدى الاستهانة بحياة البشر فضلا عن الشعارات البراقة التي ترفع هنا وهناك عن قيمة الكلمة الحرة وضرورة احترامها.
مايحصل في العراق للصحفيين والاعلاميين واصحاب الرأي الحر وتحديدا من قبل القوات الاميركية التي تنادي بالديمقراطية واحترام حقوق الانسان في التعبير عن رأيه دون ان يكون هناك ضغوطات وتكميم للأفواه ماهي الا شعارات براقة يراد منها تمرير أجندة دون النظر للقيمة الحقيقية لهذا الرأي او ذاك، وهذا مالمسناه من التصرفات غير المنضبطة او القاسية على بعض الصحفيين من تلك القوات التي جاءت باهداف وشعارات لم يتم تطبيقها على ارض الواقع، وماحصل من تجاوزات خطيرة تعتبر ضمن السياقات العامة إساءة متعمدة وتجاوز على حق الآخر في التعبير عن رأيه بكل حرية، وهذا ماينطبق على دخول القوات الاميركية لمقر نقابة الصحفيين العراقيين قبل مدة من الزمن وهي التي تمثل الواجهة الحقيقية والأم الحاضنة لجميع الصحفيين العاملين في العراق وهي بمثابة المؤسسة غير الحكومية التي تحتضن هؤلاء وتدافع عن حقوقهم وتقف بوجه من يتجاوز عليهم وبالنتيجة لم تستطع تلك النقابة الصمود والوقوف بوجه تلك القوات من الدخول الى النقابة وانتهاك حرمتها وبالتالي التجاوز على حرمة الصحافة والصحفيين العراقيين. ولم نسمع من اية جهة سياسية متنفذة او مسؤولين كبار يمتلكون الحظوة او القبول لدى تلك القوات باستنكار هذا العمل الدنيء او الممارسات غير المنضبطة، بل كان السكوت السمة الواضحة لهؤلاء السياسيين خوفا او عدم القدرة على تحمل المسؤولية والوقوف بوجه تلك القوات حتى لاتتم تكرار تلك الاعمال المشينة.
استمرت التجاوزات على بعض الصحف ومقراتها وحتى التي تمثل احزابا منضوية في الحكومة وتمت اهانة الصحفيين حتى وصل الامر الى سحق الباجات التي يحملونها والتي تمثل هويتهم الحقيقية بأحذيتهم وهذه دلالة على الاستهانة الواضحة بهذه النخبة الواعية والفاعلة.وماحصل اخيرا لاذاعة العهد من إهانة لملاكها الصحفي تحت ذرائع شتى من قبل القوات الاميركية وإذلالهم وتصويرهم بطريقة مهينة والتعامل معهم بفوقية ولامبالاة والاساءة الى مهنتهم الشريفة دليل على العنجهية والاستخفاف بالآخر الذي يتحلى بها الجندي الاميركي الذي جاء باسم التحرير والديمقراطية.
الصحفيون اليوم في مختلف مؤسساتهم والذين يجابهون الارهاب بكل صوره يطالبون الادارة الاميركية بالعمل على ضرورة احترام الارادة الصحفية العراقية التي اختطت منهج الكلمة الصادقة الحرة النبيلة وعليه يجب الايعاز الى قواتهم باحترام تلك الارادة التي عُبدَت بدماء أكثر من مائتي صحفي ضحوا من اجل إعلاء الكلمة الصادقة النقية وعلى هذه الادارة الاعتذار عما سببه جنودها من إهانة وإذلال للصحفيين والاعلاميين العراقيين
أما الحكومة فعليها معرفة واجباتها الحقيقية اتجاه مايحصل من اعتداءات، وإن تقبٌل الصحفيون على مضض ماجرى لهم امس فلن يقفوا مكتوفي الأيدي غدا ولكل حادث حديث.
كاتب واعلامي عراقي
al_aziz_su@yahoo.com