لقد بات المجتمع المدني أحد ادوات التغيير الفعلية والناشطة، بحيث لم يعد يقتصر دوره على تقديم الخدمات التنموية فحسب، لا بل أصبح ناشطا أساسيا في الدفاع عن الديمقراطية والحريات ومحاربة الفساد بكل اشكالة، والدفاع عن حقوق الإنسان من خلال المراقبة والرصد وتنظيم حملات المدافعة والمناصرة والدعوة للمشاركة في صنع الخيارات التي تؤثر في حياة المواطنين. وبمعنى آخر، فان مهمة المجتمع المدني هي تمكين المجتمع من اجل الانتقال به من واقع الرعية إلى المواطنة والمشاركة في بناء المجتمع.
وبذلك، لم يعد كافيا مجرد التحدث وعرض الأهداف والحقوق فحسب، لا بل باتت مسألة التغيير ضرورية ينخرط فيها المجتمع المدني بكل مكوناته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بما فيه وسائل الإعلام. ومما لاشك فيه ان للإعلام دور في التوعية والتعبئة والمتابعة والرصد والتنظيم.
وفي مراحل التخطيط للحملات الميدانية التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني والتي تستهدف التغيير على مختلف مستوياته، يلعب للإعلام دورا بارزا ، وفق ما يطلق عليه اصطلاحا "الإستراتيجية الإعلامية الفعالة". وفي هذا السياق، ولكي يتمكن المجتمع المدني من الاستفادة القصوى من الإعلام، لا بد من الإجابة على تساؤلين اثنين : كيف ينشأ تحالف بين منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام؟ ، وكيف يتم التخطيط للحملة الإعلامية وبالتالي التوجه نحو وسائل الإعلام واستثارتها؟ كيف يمكن لوسائل الإعلام ان تساهم إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني في الحملات كشريك معني في عملية التغيير؟
لإقامة علاقة متينة بين وسائل الإعلام والمجتمع المدني يجب ان تراعى المصالح المشتركة لكلا الطرفين. وفي ذلك يجب ان نراعى سعي منظمات المجتمع المدني لتأمين التغطية الإعلامية للنشاطات والتحركات التي تقوم بها، وهو دور اقرب لان يكون إعلانيا فيساهم في الترويج للقضايا التي تعمل عليها وفي توعية الجمهور لها ، مستفيدا من التأثير الكبير اللاعلام في المجتمع.
و إن تنخرط وسائل الإعلام في الحملات، وتتبناها كإحدى قضاياها الأساسية، فتساهم في إثارة الرأي العام وتعبئته، لا بل تساهم في صناعة رأي عام قادر على الاستجابة إلى تحديات التغيير .
إذن وللمساهمة في التقريب بين وسائل الإعلام والإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني لا بد من تغيير وجهة الاهتمام لدى الإعلام. فغالبا ما تستقطب الإعلام القصص المثيرة ، والوضع الأمني في البلد ، أو الوجوه السياسية ، وممثلو الحكومات ،وأعضاء البرلمان ، فيعطونهم الأولوية والاهتمام على حساب الأنشطة التي تنظمها منظمات المجتمع المدني. وبالتالي على هذه الأخيرة ان تراعي قدر الإمكان هذه الحاجة التسويقية وتسعى إلى توفيرها من غير ان يؤثر ذلك على مضمون الرسالة المطلوب إيصالها إلى المواطن.
إذن لا بد من بناء الثقة بين الإعلام ومنظمات المجتمع المدني التي تشكك بكفاءات الإعلاميين وعدم اطلاعهم على الملفات بشكل كاف ودراستها بما يمكنهم من التعبير عنها بطريقة جيدة. وبالمقابل، يعتبر الإعلاميون ان منظمات المجتمع المدني لا توليهم الاهتمام الكافي ويتهمونها بحب الظهور وبمحاولة تلميع صورتها وبالوصولية والانحياز إلى جهاتها المانحة،وان اغلب هذه المنظمات هدفها البحث عن المال فقط. وفي هذا السياق، على وسائل الإعلام والإعلاميين ان يركزوا على مضمون الرسالة ويعملوا على إيصالها إلى المواطنين بأكثر الوسائل المهنية الممكنة بمعزل عن موقفهم من هذه المنظمات.
وفي كلتي الحالتين، هناك تواصل مفقود يتطلب جهودا متبادلة من كلا الطرفين ، بحيث يعطي الإعلاميون الاهتمام الكافي لممثلي منظمات المجتمع المدني ولأنشطتهم وبرامجهم، في حين تولي منظمات المجتمع المدني اهتماما كافيا بالوسائل الإعلامية وتراعي ظروفها وتحترم التوقيت الملائم في نشر وإيصال الخبر أو المعلومة. والمطلوب في الحالتين التركيز على الرسالة والأهداف الإحداث التغيير المطلوب في المجتمع ،وهو هدف مشترك الوسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني.