يقف الصحفيون العراقيون امام تحديات كبيرة بسبب تشظي المشهد السياسي العراقي وعدم موضوعيته.
أنشأت العديد من المنظمات العراقية لحماية الصحفيين ومراقبة الانتهاكات التي يتعرض لها زملاء الكلمة في العراق بالإضافة الى وجود نقابة للصحفيين واتحاد الصحافيين العراقيين وغيرها من المؤسسات الدولية التي تعمل فيالشرق الاوسط وتسلط الضوء على مشاكل الصحافة في العراق
.
وعلى الرغم من كل ذلك يقع العديد من الصحفيين والعاملين في مجال الاعلام ضحايا للعنف الطائفي والصراع المسلح في بلد خرجت الصحافة فيه من اجواء المراقبة القاسية والتوجيه الى حالة قتل الاقلام.
ان وجود هذا العدد المتزايد من المنظمات التي تهتم وتراقب الانتهاكات يدلل على امر واحد وهو ارتفاع نسبة تعرض الصحافة في العراق والعاملين فيها الى ضغوط وتهديدات مستمرة لوقف عجلة الاعلام من العمل في العراق.
ومع التغير الحاصل من عراق الحزب الواحد والصحافة المسخرة للسلطة الى الانفتاح العشوائي الذي واكب الحركة السياسية والاعلامية بعد الاحتلال الذي تسبب في خسارةالكثير من اصحاب الاقلام.
كان هناك الكثير من الاسباب وراء اغتيال الكلمة، لكن ظهور التخندق الطائفي الحاصل في الوسائل الاعلامية جعل العنف يتصاعد بشكل سريع ليقع صحافيون جدد ضحايا لهذا الصراع.
ولو نلاحظ اعداد القتلى في صفوف العاملين في الصحف والمؤسسات الاعلامية لنجد ان اغلب الضحايا هم من العاملين في المؤسسات التابعة لجهات سياسية وشبه حكومية ودينية تلونت بألوان طائفية او انحازت لفئة دون الاخرى، والمؤسسات التي تعمل بدعم من قواتالاحتلال اكثر من تلك المؤسسات الاعلامية المستقلة.
فقد خسرت شبكة الاعلام العراقي الشبه حكومية اكثر من سبعة وستين قتيلا في صفوف العاملين لديها منذ تأسيسها في عام 2003، وثلاثة واربعين جريحا لم يستطيعوا العودة الى عملهم بسبب اصاباتهم البالغة.
وقد تعرضت مكاتب القناة العراقية الى اكثر من استهداف بسيارة مفخخة، كذلك نسف وسوي مع الارض احد مكاتبها في محافظة الانبار حيث يتهم الكثير من قادة العرب السنة والجماعات المسلحة باتحياز واضح لهذه القناة للجهات الشيعية التي تسيطر عليها.
وقد سبب ظهور انواع مختلفة من اذان الصلاة بشكل طائفي في تلك القناة الى سخط كبير في صفوف اغلب العراقيين واتهامهم لها بالانحياز وبالتالي كان كادرها معرضا دوما للتهديد والقتل.
اما قناة الشرقية التي تعد من احدى المؤسسات الاعلامية المستقلة في العراق فلم يتعرض كادرها الاعلامي لنفس النسبة من الاستهداف.
ان دخول العراق في مرحلة الانتخابات ذات الصبغة والاصطفاف الطائفي، عكس نفسه على وضع الاعلام حيث اصبح لكل حزب سياسي وقومية وطائفة ومذهب ديني في العراق وسيلته الاعلامية التي تروج له.
كان الشك المثار حول عمل الصحافي العراقي بعد الاحتلال، هو مدى وطنيته والتخوف من اظهار الجانب السيئ للمشاكل العراقية الداخلية للعلن،كذلك خوف بعض المسلحين من التقارير الصحافية التي ربما تحدد اماكنهم واسرارهم، بينما اليوم يُساءل الصحافي فقط عن اسم الجهة التي يعمل بها عندها يصبح هدفا لاعداء تلك الجهة ويحسب عليها.
ان علاقة الشخص المسلح السائل مع الجهة التي تملك المؤسسة التي يعمل فيها الصحافي، هي التي سوف تحدد حياة الصحافي نفسه، بدون نظر المسلح السائل لاستقلالية وكتابات وعمل الصحافي الذي يحاول ان يظهر جزءا قدر المستطاع من الحقيقة.
فقد ابتعدت القضية من المشاكل الداخلية ومدى الوطنية لتقترب من الاقتتال الطائفي السياسي المنظم. والصحافيون هم اكثر الناس الذيم يكشفون عن انفسهم ووجهات عملهم حسب اصول المهنة ولهذا فهم اكثر الناس عرضة للتعرض للقتل.
ان الشد السياسي الحاصل اليوم في العراق بين اغلب الجهات السياسية المتصارعة يتم تحويله الى اعلام مسيس، وبالتالي يقع الموظف الاعلامي فريسة سهلة للصراعات السياسية وغير مأسوف عليه من تلك الجهات.
المنسق الاعلامي علي مرزوق الذي يعمل في معهد صحافة الحرب والسلام فرع العراق - وهي مؤسسة بريطانية خيرية تدرب وتنشر للصحافيين العراقيين - يقول ان أغلب الصحافيين في العراق يتعرضون لضغوط كبيرة من أجل تسخير اقلامهم لجهة واحدة.
لقد كان علي مرزوق مسؤولا ومقربا من مائتين صحافي عراقي تقريبا خلال السنوات الثلاثة الماضية ويتنوع عملهم بين المؤسسات الاجنية والمحلية والمؤسسات الموجهة ولكنه يقول "ان الخطر يبدأ تدريجيا مع كل صحافي ولكنه يتزاد ليصل الذروة والخطرالمحدق مع الصحافيين الذين عملوا لجهات تروج لفئة او جهة عرقية معينة".
ويضيف مرزوق "كلما زاد الترويج للنهج الطائفي في المؤسسات الاعلامية ازا داستهداف الصحافيين بينما يبقى الصحافيون في المؤسسات المستقلة اقل خطرا".
ويتهم مرزق بعض المؤسسات العاملة في العراق بانها "المسؤولة عن الخطاب الطائفي الذي يعرض الصحافيين للتهديد اكثر من غيرهم."
ويؤكد ستيفن نيكوس الصحافي الاميركي الذي يعمل في العراق ودبي بان العمل الصحافي في العراق اخذ يزداد خطورة اكثر للصحافيين العراقيين ويقول ايضا "كلما كان هنا كحوارا او نهجا طائفيا في القنوات التلفازية يكون مراسلوها والعاملون فيها اكثر عرضة للتصفية من غيرهم."
ويقول نيكوس ان سياسة اي جهة اعلامية يتحملها الصحافي الذي يعمل فيها وهذا يجعل الصحافي بوضع "خطر اذا عرضت اي قناة مشاهد تزعج فئة اوطائفة اخرى".
ويؤكد المراقبون والعاملون في المجال الاعلامي في العراق بان تداعيات الخطا بالطائفي في وسائل الاعلام العراقية اخذ ينعكس بشكل كبير على امن الصحافيين بعد انكانت المؤسسات التي لها علاقة مع القوات الاميركية هي الاكثر استهدافا في بادئ الامر.
ومع تكرار ادانة المنظمات المتخصصة في مراقبة اداء وعمل المؤسسات الاعلامية اكثرمن مرة واشارتها الى ان هناك خطا ونهجا واضحا في التطرف والانحياز ولترويج للنعرات الطائفية في وسائل الاعلام الى ان تلك الجهات لم تستطع ان توقف الاقتحام الشره
للمؤسسات التي تروج وتتبني اعلاما طائفيا التي كانت سببا رئيسيا في زيادة قتل الصحافيين.
لقد كونت الجهات السياسية شبكة كبيرة من الاعلام الالكتروني على الشبكة العالمية للمعلومات وقد استخدمتها للحرب الاعلامية الطائفية وبلغ عدد هذه المواقع التي ترتبط بشكل مباشر مع جهات سياسية واعلامية اكثر من خمسين موقعا.
ان اغلب تلك المواقع هي مواقع رسمية للصحف واجهزة الاعلام المختلفة على شبكة المعلومات وهي تغطي اخبارا ساخرة وصور ممنتجة للشخصيات المنافسة لها وقصصا عنالصراع الطائفي وتسمح بنشر الاراء الطائفية الحانقة على الاخرين بكل علانية ومنخلال مواقعها على الانترنت وبنفس اسم الوسيلة الاعلامية مما جعل الصحافي العامل فيالمكتب الرئيسي للقناة او الصحيفة يتحمل اراء وافكار منْ يشاركون في تلك المنتديات.
وبينما تستمر المنظمات التي تعنى بحماية الصحافة في نضالها لتخفيف شدة استهداف الصحافيين ومحاولة ايجاد الحلول المناسبة لطرحها على من يعنيه الامر، يبقى الامل ضعيفا في القضاء على الاعلام الطائفي ذو التمويل والرعاية الكبيرة.
ضياء رسن
مرصد الحريات الصحفية