هل نعيش فوضى اعلامية حقا؟ ام اننا نعيش لحظة عافية اعلامية؟ وهل ندعي ان حرية حركة وتداول المعلومات والاخبار وصناعة المفاهيم الاعلامية هي مظهر اشكالي لهذه الفوضى والعافية في آن معا؟
وهل يمكن ان نبرر هذه التشكلات تحت ضرورة الحاجة الى سياقات عمل والى صدمة عميقة تستفز طبيعة الثقافة الواحدية التي كانت هي المهيمن الاساس على واقعنا الثقافي والاعلامي؟ وهل نفترض ازاء هذا كله الحاجة الى اعادة انتاج بعض السياقات المهنية وحتى الرقابية حفاظا على (جسد) المهنة من انتهاكات قد تحدث خارج فاعلية هذه المهنية وخطابها، فاعليتها في صناعة الوعي الاعلامي،
وربما الرأي العام الجديد الذي نحتاجه في اعادة انتاج الثقافي والسياسي؟ وهل بالضرورة ان نقف بشيء من الفرجة امام الاعلامي الذي يعرض الدسم ويملك القياد ويطلق احكامه ويسوق الكثير من طروحاته وارائه للرأي العام ويطبخ الطبخات ويحرص على تأمين علاقة غير وظائفية مع السياسي والحكومي والحزبي!! وكأنه يجد هؤلاء خارج التاريخ وانهم جزء من اجندة الماضي الاشكالي ؟ او انه يفترض ان له الحق في قول ما يشاء حتى وان كان تهييجا للمشاعر وقذفا بحق الاخرين تحت يافطة الحرية !! وفي اطار صلاحيات ما تسمى ب(السلطة الرابعة) !!
اليس من حق الناس ان تعرف توصيفا قانونيا و اكاديميا او مهنيا تمنحه لهذا الاعلامي لكي يمنحوه هذا الحق ولكي يطمئنوا الى امانته وحرصه ومسؤوليته في تسويق بضاعته!! التي ينبغي ان تحتفظ بشروط سلامتها المعلوماتية والاخلاقية والوطنية ودون ان تصيبهم بالصرع السياسي او الخوف من الوجبات السياسية الدسمة وتمنعهم من ممارسة حقوقهم النهارية والليلية باطمئنان كامل!!؟
ان هذه الاسئلة وغيرها اصبحت لازمة وضرورية وسط هذا الضجيج الذي يشبه احيانا وللاسف ضجيج الاسواق ودعوات باعته واغواءاتهم بان بضاعتهم هي الجالبة للحظ والعافية وكثرة البنين!! وانها المنقذ من الضلال والهادي الى اليقين !!! وربما الباعثة على خيارات ومواقف تنتمي للاسف الى ثقافات الخنادق،او انها تتصيد الاخبار والمعلومات التي تهيج البعض او تثير حفيظة البعض الاخر ؟ اننا ازاء ذلك ينبغي ندرك حقيقة ماجرى وما ينبغي ان نؤسس ازاءه من مواقف بعيدا عن غلواء واشكالات الهوس السياسي وتداعيات الصراعات التي افرزتها مرحلة مابعد 9/4 /2003،وان لانجعل من (الحقوق الاعلامية) مناطق ساخنة لصناعة الحرائق،وخطابات لصناعة ازمات ثانوية لاعلاقة لها بمهنية الاعلام واستقلاليته في التعاطي مع مشكلات ينبغي للجميع ان يدركوا خطورتها،وان يؤسسوا ازاءها وعيا مهنيا واخلاقيا وثقافيا يسهم في تعميق الحالة الوطنية وتكريس السلام المدني وبناء الدولة الجديدة واشاعة قيم الحرية والديمقراطية،وتنمية الوعي المهني الذي يفترض ايجاد سياقات العمل الصحيحة الكافلة للحريات الصحفية وحمايتها وتخليق الاسس العملياتية والحقوقية للدفاع عنها ودعوة المؤسسات الرسمية لضمان هذه الحقوق في الدستور وفي القوانين الرسمية واعتبارها مظهرا من مظاهر الدولة الحديثة،،فضلا عن البحث في ايجاد سياقات اطارية تؤّمن موضوعية العمل الاعلامي ومهنيته في اطاره المدني والمؤسسي،،،، والتعامل مع المهنة الاعلامية ذاتها مثلما نتعامل مع اية مهنة اخرى والتي تتطلب الشهادة العلمية وشهادة الخبرة والدراية والممارسة أو التاريخ الشخصي على اقل تقدير !!!، وان يخضع المتقدمون للعمل بها الى بيان هذه الشروط مع فحص القدرات لكي لايصبح العمل الاعلامي بدون قواعد وانظمة داخلية تحدد صيغ العمل فيه وبما يضمن انتاج وتسويق (بضاعة) اعلامية لها صلاحية التداول الوطني والمهني وحافظة لاخلاقيات المهنة واعرافها على المستويات كافة في الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب!! ولاشك ان هذه المقايسة لاتعني بالضرورة عزل العاملين في الاعلام الذي يضخنا اليوم باطنان من المعلومات الغثة والسمينة!! الصالحة والطالحة !! المهيجة والمعطلة!! وانما دعوة للقيمين على المحطات الفضائية والارضية الحزبية والصحف الحزبية وحتى التي تدعي بانها مستقلة او تابعة لجهات حكومية !! الى ضرورة ادخال العاملين فيها الى دورات مهنية او التنسيق مع الجهات الحكومية في وزارة التعليم العالي لادخالهم في كلية الاعلام !! لان الحيازة المهنية تضع الاعلامي امام الكثير من ضرورات ولوازم العمل المهني ليس في صياغة الخبر او كتابة العمود والتحقيق والتقرير الصحفي وانما في اطار شروط اخلاقية وموضوعية المهنة بكل ما تفرضه من وعي ومسؤولية واهمية التوافر على معلومات وافية ودقيقة لتسويق المعلومة او الرسالة الاعلامية للرأي العام !! واعتقد ان الكثير من هيجاننا الشعبي وترويج الاشاعات مبعثه هذا القصور الاعلامي وعدم الدقة والموضوعية في التعاطي مع المعلومة ومصادرها،فضلا عن ان الرأي العام العربي والعالمي والرأي العام العراقي في المهجر يكوّن الكثير من ارائه ومواقفه عن طريق ما تبثه الفضائيات من اعلام ومعلومات تؤكد دائما على الجانب السوداوي في حياة العراقيين..
ان الاعلام اصبح مسؤولية خطيرة، وشأنه شأن العمل السياسي والاقتصادي في خلق الاسس الفاعلة للبناء والتفاعل والشراكة في صياغة التصورات والافكار التي تسهم في اعادة التوازن الى حياتنا العراقية وتوصيل المعلومات والافكار والرسائل والصور التي تدفع الحياة الى الامام حتى نكون محكومين بالامل دائما كما قال سعد الله ونوس.