تقارير امنية متاخرة " المجاميع المسلحة تعمد تصفية الصحفيين لاخفاء الحقائق".
الثمن لممارسة مهنة الصحافة في العراق، الخطف، القتل، الاعتقال، او الموت بالسيارات المفخخة او العبوات الناسفة التي قضت واحدة منها عندما انفجرت على زميل لنا كان يعمل مراسل لوكالة " اصوات العراق " خلال قيامه بأداء واجبه المهني في تغطية أحد الأحداث الأمنية في محافظة ديالى.
عارف فليح (33 عاما ) ذلك الشاب الطموح الذي عمل بكل جد ومثابرة من أجل أن يخط لنفسه مكان مرموقا في مجال العمل الصحفي، متناسيا المخاطر والظروف التي كانت تحيط به، والتى اددت الى انهاء حياته، هذا ماقاله احد اصدقاء عارف عندما ابلغ وكالته بنباء مصرعه.
و يقول ضياء رسن و هو صحفي عراقي و زميل لعارف الذي كان يعمل معه في المعهد الدولي لقانون حقوق الانسان بصفة باحث صحفي يقول ان عارف كان " شجاع جدا و انه يعمل في منطقة خالية تماما من سلطة القانون "، ويضيف ضياء ان عارف كان يخشى المسلحيين الا انه لم يخشى يوما التحرك و البحث عن الحقائق و الاخبار " وربما كان الوحيد الذي يعمل لايصال الحقائق من هذه المحافظة "، ضياء يرى بعارف انه كان يساعد " اصوات العراق " على الانفراد بتغطية اخبار محافظة ديالى.
وفقدت الوكالة نفسها التى كان يعمل بها عارف ( أصوات العراق) مراسلين اخرين في العمارة و الموصل، حيث قتل في مدينة العمارة جنوب العراق واحدا من أبرز مراسليها، وهو الزميل نزار الراضى، عندما أطلق مسلحون مجهولون النار عليه في مدينته، في30 آيار مايوالماضي، بعض الاهالي الذين كانوا قرب مكان الحادث اكدوا بان مجموعة من المسلحين يستقلون سيارة نوع بيك اب ,اطلقوا النيران على الراضي عندما كان يرافقه بعض الصحفيين و كانوا يهمون بالذهاب لافتتاح ورشة عمل اعلامية في فندق وسط مدينة العمارة.
و في 7 حزيران يونيو الحالي قتلت جماعة ( انصار السنة ) مراسلة الوكالة نفسها سحر الحيدري (45 عاما )، عندما ترصدها مسلحون، في حي (الحدباء) شمالي الموصل وأمطروها بنيران اسلحتهم الرشاشة. و الحيدري كانت مدرجة على قائمة إغتيالات أعلنها ما يسمى بـ ( أمير الدولة الإسلامية في الموصل)، وكانت قد تلقت 13 تهديدا بالقتل قبل استهدافها.
و تعد عمليات القتل، الاختطاف، و التهديد انتهاكاً خطيراً لحرية التعبير. وما يزيد من حدتها الإفلات من العقاب، فطالما أن مرتكبي الجرائم يدركون أنهم لن يتحملوا مسؤولية جرائمهم، سيبقى الصحفيون أهدافا ًسهله ومستمرة لهم.
ويؤكد مرصد الحريات الصحفية ان جميع عمليات قتل واختطاف واغتيال الصحفيين في العراق، تسجل ضد جهات ارهابية او مسلحين مجهولين لا يمكن الوصول اليهم او التعرف عليهم، بينما تتنصل القوات النظامية الامريكية و العراقية من فداحة هذه المسؤولية، وحتى ان من قتل بنيران اسلحة هذه القوات عن طريق الخطاء او الاستهداف المباشر فإن السلطات العسكرية فشلت في توفير محاسبة شاملة وعلنية للعديد من عناصر قواتها التى ارتكبت حوادث قتل الصحفيين.
وتتوالى الاحداث متسارعة في استهداف الصحفيين و الاعلاميين و اتساع دائرة المخاطر التي تحيق بهم يوما بعد يوم، حيث اختطف فليح وداي مجذاب (53 عاما) الذي يعملُ مديراً للتحرير في صحيفة الصباح الممولة من المال العام، صباح يوم 13 حزيران يونيو الحالي بعد ان اعترض طريقه مسلحون مجهولون في جنوب شرق بغداد في منطقة الحبيبية، واقتادوه الى جهة مجهولة، وعثر على جثته بعد اربعة ايام من اختطافه في مشرحة بغداد، وعليها اثار اطلاقات نارية في اماكن مختلفة من الجسد.
وتؤكد تقارير امنية عراقية اطلع عليها مرصد الحريات الصحفية بواسطة مسؤول امني عراقي،لا يود الكشف عن اسمه في وسائل الاعلام كما ابلغنا، وقال " المجاميع المسلحة تعمد تصفية الصحفيين لاخفاء الحقائق " وكشف المسؤول، ان عدة وثائق وبيانات وجدت في اوكار المسلحين تؤكد هذا، ومن بين ما عثر عليه " فتاوى لتكفير الصحفيين " وتعمد اخافتهم لابعادهم عن مناطق النفوذ التي تتمتع بها الجماعات المسلحة، واضاف كذلك ان " احزاب متورطة بقتل بعض الصحفيين " وسيتم الكشف عن وثائق ادانتها في وقت مناسب وقريب.
وحسب احصائيات مرصد الحريات الصحفية فان العراق اصبح اكثر خطورة من اي مكان في العالم، بعد ان اجتاحته القوات الاميركية وحلفائها، حيث شهد العراق منذ اجتياحه اعتداءات كبيرة على الصحفيين والاعلامين العاملين فيه، وأدت اعمال العنف و تردي الوضع الامني الى مقتل (198) من العاملين في المجال الإعلامي، منهم (108) صحفيين قتلوا بسبب عملهم الصحفي وكذلك (39) فنيا، فيما لف الغموض عمليات ارهابية عديدة استهدفت بطريقة غير مباشرة صحفيين وفنيين لم ياتي استهدافهم بسبب العمل الصحفي.
الصحفي سميرمحمد الذي يعمل في صحيفة فرنسية، يقول انه كان متوجها الى دائرة الطب العدلي ليطلع على ارقام وزارة الصحة بخصوص القتلى المدنيين وعندما سأل احد افراد الشرطة طالبا منه الدخول الى الوزارة، ابلغه الشرطي بان عليه التوجه الى دائرة اخرى قريبة للاطلاع على هذه الارقام و الاحصائيات وعرض علية ان يرافقه.
ويضيف سمير "بعد ان سرت مع رجل الشرطة الى الدائرة الوهمية اجبرني الشرطي على ركوب سيارة كانت تسير ورائنا بعد ان وضع المسدس الذي " استلمه من وزارة الداخلية " على راسي".
خرج الصحفي سميرمحمد من ازمته باعجوبة بعد ان وصلت سيارة خاطفيه قرب نقطة تفتيش للقوات المتعددة الجنسية، فضربه احد الخاطفين وفتح الباب له ليترجل من السيارة.
كما تم اقتحام واستهداف اكثر من مؤسسة اعلامية بالسيارات الملغومة والعمليات المسلحة التي ساوتها مع الارض، وقتل عدد من طاقمها واوقفت بثها مثل اذاعة راديو دجلة وقناة بغداد الفضائية وقناة الشعبية الفضائية ومكتب قناة العربية.
في العراق لم يعتاد الكثير على وجود حرية للراي والاعلام الحر مثلما لم يألف التغيير الحاصل بعد 2003، ولهذا شنت العديد من الهجمات على الصحفيين ومؤسساتهم واغلق البعض منها من قبل الاجهزة الامنية التابعة للحكومات العراقية التي تعاقبت على الحكم بعد النظام السابق مثل قناة الجزيرة الدولية والعربية وقناة الشرقية و قناة صلاح الدين الفضائية.
مراسل قناة الشرقية الذي عرف اسمه بابي احمد اعرب عن قلقة من شدة ارتفاع موجة استهداف الصحفيين في العراق ويقول ان "التهديدات اصبحت جزءا من عمل الصحفي في العراق "
ويضيف الصحفي بان "الموسسة الاعلامية التي يعمل لديها خسرت لحد الان اربعة من زملائة اثنان صحفيين وثالث مصور تلفزيوني و الرابع مخرج خلال فترة لم تتجاوز اشهر ".
اما عن المخاوف من قبل السياسيين وقوات الامن الحالية فاستطرد الصحفي ابو احمد قائلا " ان الاجهزة الامنية والحكومية تحترم القوانين الصحفية فقط في حالة الهدوء وغالبا ما تتجاوز على الاعلاميين عندما يحاولون تغطية بعض الاحداث الساخنة ".
ويذكر الصحفي علي الخياط سكرتير تحرير صحيفة الدعوة بعض انواع التجاوزات التي تمارس من قبل اجهزة الامن العراقية الحالية بالسب والشتم والضرب ومصادرة بعض الاجهزة الصحفية.
اما القانون الذي اصدرته الجهات الحكومية العراقية التي تسمح للصحفي حمل السلاح فيعتبره صحفي اخر يعمل لمؤسسة محلية اسمه احسان محمود "رميا للكرة في ملعب الصحفيين والتخلي عن حمايتهم من قبل الجهات الحكومية ".
من جانبه اعتبرت الصحفية الهام محمد مراسلة قناة السومرية الفضائية، أن المخاطر التي تواجه الصحفيين في العراق ليست من النوع الذي يواجه أقرانهم في بقية العالم, لأن الصراع في البلاد له أطراف متنوعة ومختلفة ومن جميع الأصناف والكل يلاحق الصحفي لكتابته خبرا أو تقريرا لا يروق لجماعة معينة.
وفي وزارة الدفاع العراقية، قال احد الظباط الذي كان يقود مجموعة من الجنود في بغداد وهو الرائد حسن كاظم، بان الاوضاع الصعبة والمزاج المتعكر للجنود ورجال الشرطة "السبب الرئيسي لاعقتال الصحفيين وضربهم " وليس هناك حمله ضد الصحفيين بشكل مقصود.
ورصد مرصد الحريات الصحفية خلال عام واحد 123 حالة انتهاك مختلفة ضد صحفيين و مؤسسات اعلامية، ولم يغيب عن هذه الانتهاكات التدخل الحكومي المباشر في الحد من حرية الصحافة، واعتداءات الاجهزة الامنية بالضرب على الصحفيين، وتدخل وضغوط برلمانية، فيما ان القضاء لم يكن منصفا وتم محاكمة 17 صحفيا و مؤسسة اعلامية دون الرجوع للقوانيين النافذة.
كتب المقالة / زياد العجيلي / مدير مرصد الحريات الصحفية